{ الصباح} تفتح ملف قانون الخدمة العسكريَّة الإلزاميَّة

ريبورتاج 2023/08/01
...

   علي غني
ما زال الجدل قائماً بين أعضاء مجلس النواب من جهة وبين مشرعي قانون الخدمة العسكرية من جهة والحكومة من جهة أخرى حتى الآن، فمنهم من يرى أن وجود قانون (الخدمة الإلزامية)، أمر في غاية الأهمية ومنهم من يرغب بحذفه نهائياً، بوصفنا أننا من البلدان الديمقراطية، فليس من الضروري إقراره، لكن العديد من دول العالم المتقدمة، وبعضاً من دول الجوار ما زالت تطبق قانون الخدمة (الإلزامية العسكرية)، ولا توجد لديها إشكالات بشأنه، فلماذا أسدل الستار مجلس النواب عليه، وأصبح في طي النسيان، فما المطلوب من أعضاء مجلس النواب لإقراره؟ وهل يمكن العودة إلى عرضه مرة أخرى، وبتعديلات جديدة؟ وماذا قال العسكريون القدامى عن القانون؟ ولماذا يصر البعض على الوقوف نقيضه؟ ولماذا يرى البعض أن إقراره لمصلحة الشباب العراقيين؟ هذه التساؤلات وغيرها قادتنا إلى هذا التحقيق.
يرى الدكتور أسامة  شهاب الجعفري، دكتوراه قانون، باحث وأكاديمي بالشأن القانوني العراقي، وأستاذ  في جامعة الكاظم (ع): أن الحديث عن خدمة العلم (الخدمة العسكرية) هو حديث في الأمن والحرب والتنمية، أي إننا نناقش أهم القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام، لأنه يتعلق بالمصير الوطني للدولة باعتبارها التنظيم القانوني المعبر عن الشعب وخدمة العلم، ووردت في الدستور العراقي في الفقرة (ثانياً) من المادة (9) منه إذ نصت (ثانياً: تنظم خدمة العلم بقانون)، لذا فإن مشروع قانون الخدمة العسكرية المزمع عرضه على البرلمان هو دستوري، إذ يجد أساسه القانوني في تلك المادة آنفة الذكر من الدستور العراقي.
وقلت له ما مبررات تشريع قانون الخدمة العسكرية في الوقت الحالي؟ فقال لي: لا يقتصر الأمر على مكافحة البطالة كمبرر لتشريع هذا القانون بل إنه يمثل رافداً طبيعياً وقوياً لإمداد الجيش بالجنود والضباط لتكوين مؤسسة الجيش التي هي إحدى مؤسسات السيادة شأنها شأن القضاء أو رئاسة الدولة، لذا هو يتمتع بمكانة اعتبارية في ضمير الشعب منذ تأسيس الدولة العراقية ووجود قانون ينظم الخدمة العسكرية يعني أن العراق يملك جيشاً وطنياً رادعاً لأي عدوان بعقيدة وطنية تربطه بالدولة، فلا يكون الجيش الوطني القوي إلا مؤسسة عامة وليس مؤسسة خاصة.  يتعلم الشاب بداخل هذه المؤسسة مفاهيم الولاء للوطن والتضحية من أجل الشعب العراقي والشعور بالمسؤولية منذ بدايات حياته.

رواتب مجزية
وما نطاق قانون الخدمة العسكرية؟ : شمل هذا القانون الفئات العمرية التي تتراوح بين 18 سنة و35 سنة لمدة لا تقل عن سنة ونصف، ولا تزيد عن 3 سنوات وفقاً للتحصيل الدراسي، مع إعفاء بعض الحالات من الخدمة العسكرية لأسباب إنسانية (الابن الوحيد، المعيل الوحيد.. الخ)، ولا يتعلم فيها فنون القتال والانضباط فقط وإنما يتعلم المهن التي قد يتخصص بها مستقبلاً عند تسريحه من الجيش. وبرواتب مجزية لا تقل عن (750 ألف دينار شهرياً)، تمكنه من تكوين أسرة يقدر قيمتها ويعلي من شأنها ولا يفرط بزوجته وأولاده، فهو في الجيش يرتبط أكثر بأسرته. فقد شاهدنا أن العسكري أكثر ارتباطاً بأسرته ويحنو عليها ويشتاق إليها.
هل نص الدستور العراقي على إلزامية الخدمة العسكرية فماذا تقول؟: الدستور العراقي في الفقرة (ثانياً) من المادة (9) منه لم ينص على الزامية الخدمة العسكرية من عدمها، وإنما جاء النص مطلقاً دون تحديد طبيعة هذه الخدمة، ولكن المعروف في كل الدول أن خدمة العلم طبيعتها الأساسية هي (إلزامية)، وأن فكرة (الالزامية) عنصر جوهري بخدمة العلم لا تقبل الانفكاك، وإلا فلا حاجة لينص الدستور على تنظيم خدمة
العلم بقانون، فطالما نص الدستور على أن تنظم خدمة العلم بقانون يعني أنها خدمة مفروضة بموجب الدستور.
ولماذا يتخوف البعض من إقرار القانون؟، سأقول بكل صراحة: يقدم البعض على رفض قانون الخدمة العسكرية انطلاقاً من رفضه لعسكرة المجتمع ورفضه لتدخل الجيش في السياسة والسلطة، ولكن لا يمكن التسليم لهذين الاعتراضين، لأنهما مرتبطان بنموذج الجيش الذي كان أيام النظام السابق الذي كان نظام الحزب الواحد والشخص الواحد، فالنظام السابق كانت سياسته عسكرية، وهدفه عسكرة المجتمع، أما النظام السياسي الحالي فيختلف جذرياً عن النظام السابق، فهو نظام ديمقراطي يعتمد أسساً دستورية في تسيير مؤسسات الدولة، والعراق الآن دولة مدنية حديثة ولا يعتمد فكرة عسكرة المجتمع، فلا ربط بين عسكرة المجتمع والخدمة العسكرية، لأن العسكرة سياسة يعتمدها النظام السياسي، أما الخدمة العسكرية فهي من مستلزمات الدولة الوطنية الحديثة في وجود جيش يدافع عن الوطن والشعب من العدو الخارجي.
كما أن الدستور وضع ضمانات منعت الجيش من التدخل في السياسة وصناعة القرار، إذ وضع قيادة الجيش بيد سلطة مدنية وليست عسكرية، ومنعه من أن يكون أداة للقمع وأن يمثل كل أطياف الشعب وفقاً للفقرة (أولاً) من المادة (9) من الدستور العراقي.

هدر الملايين
بينما يذهب الدكتور معتز محيي عبد الحميد، مدير المركز الجمهوري للدراسات الستراتيجية، بعيداً حين يقول: إن التطور العالمي في تأسيس وحدات عسكرية متخصصة والاتجاه نحو الخصخصة في تنظيم الوحدات العسكرية ضمن الصنوف التي تحتاجها وزارة الدفاع هو الأسلوب الحديث المتبع في أغلب دول العالم، وإن إقرار قانون الخدمة الإلزامية لن يعمل على تطوير المنظومة العسكرية وفق أسس علمية، وإنما هو مشروع لهدر ملايين الدنانير على أسس وقوانين أكل عليها الدهر وشرب، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى (والكلام للدكتور معتز): أنا أرفض تطبيق القانون، لكونه لا يهتم بالتطور الفني والنوعي للوحدات العسكرية المختلفة، لأنها بحاجة إلى نوعية معينة من الجنود والمراتب المتطوعين حسب الاختصاص والمؤهلات العلمية التي يمتلكونها، ووفقاً لكفاءات ذهنية وعلمية لا وفقاً للكم الهائل من المجبرين على التدريب، والذين أغلبهم أميون لا يعرفون الكتابة والقراءة، ووجود هذا الكم الهائل من الشباب في معسكرات غير مهيأة أساساً لاستيعاب هؤلاء، سيعني استهلاك الوقت والأموال، ومشروعاً عائماً للفساد الإداري، وإجبار المواطن على الذهاب إلى العسكرية، وعليه يجب دراسة القانون من جميع النواحي الفنية والاجتماعية وأن يتم الاقتداء بقوانين الدول المتقدمة وليست المتخلفة بالسوق العشوائية للتجنيد، وعدم السير وراء العواطف، لأن هذا القانون طبق قبل 2003، وثبت من دراسات كثيرة أنه جزء من نظرية عسكرة المجتمع، وإنشاء أجيال لا تعرف الحياة المدنية، وتؤسس إلى نمو نظرية العسكر فوق الجميع.

عدم التوافق
كنا في ضيافة عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية النائب حسين هاشم العامري، الذي بيّن لنا، حقائق عديدة، مؤكداً  "عدم تراجع مجلس النواب عن قانون التجنيد الإلزامي، وإنما القانون سحب من قبل الحكومة لغرض التوافق السياسي عليه، وقال: نحن كلجنة أمن ودفاع اعترضنا على بعض مضامين القانون ومنها الغرامات، وسني الخدمة، وفضلنا أن يكون القانون اختيارياً وليس إجبارياً.
وأضاف العامري: الحكومة حتى الآن لم تعد القانون لمجلس النواب، فمتى ما أعادته الحكومة يتم النقاش والتصويت عليه بعد تعديل القانون، وأوضح: أن سبب تردد بعض القوى السياسية في إقراره، وإعادته للحكومة هو التخوف من عسكرة المجتمع.
وأشار العامري إلى أن سبب سحب قانون التجنيد الإلزامي من قبل رئاسة مجلس النواب وإعادته إلى الحكومة - على اعتبار أنه مُرحّل من الحكومة السابقة - هو عدم توافق القوى السياسية على مضمون القانون.
ونوه بأن انعكاسات إقرار قانون التجنيد الإلزامي هي تقوية الأواصر الاجتماعية الوطنية وأيضاً للتخفيف من حدة البطالة بين الشباب وشعورهم بالمسؤولية تجاه بلدهم، مبيناً أن من النقاط الأساسية بمراجعة الحكومة للقانون هي إعادة النظر في المدة الزمنية للخدمة وتقليل بعض العقوبات المنصوص عليها في القانون.

دماء جديدة
ونذكر أن الخدمة الإلزامية بموجب القانون الجديد لن تكون كما كان مطبقاً سابقاً، وفتراتها لن تكون طويلة ومن لديه شهادة ابتدائية ستختلف فترة خدمته عمن حصل على شهادة أعلى كالمتوسطة والإعدادية والجامعية.
وإن تطبيق الخدمة الإلزامية يحظى بقبول عالٍ في الشارع العراقي وفقاً لما أجري من استفتاءات.
ويرى العديد من أصحاب الشأن أن "قانون الخدمة الإلزامية لا يلغي التطوع وبإمكان الشاب أن يقدم طلباً للتطوع، وبصراحة (والكلام لأصحاب الشأن)، يجب تجديد الدماء لأن لدينا أعماراً كبيرة في المؤسسة العسكرية".