التكافل العملي في حياة الإمام السجاد (ع)

ريبورتاج 2023/08/03
...

 إبراهيم هلال العبودي

تحت ستار الليل، كان يقدم المساعدات بكل الطرق المتاحة، حتى أن معظم الناس المحتاجين الذين كانت تصلهم المعونات كانوا لا يعرفون من يقدمها لهم ولا يعرفون صاحبها: فعن - ابن- عائشة سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين (ع) وعلى الرغم من الأمراض المزمنة التي رافقت حياة الإمام لكنه بعزيمته التي لا تكل، عمل على تطوير أخلاقيات الناس وتنميتها.
لم يكن يعرف الناس أنَّ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) هو الذي كان يدور بين الأزقة ليلاً ويطرق الأبواب على المحتاجين، ويوزع بينهم ما يعيشون به، ولكنْ بعد أنْ شاعَ خبر موت الإمام (ع) توقف المعونات فجأة، فعرف هؤلاء مصدر معوناتهم، بعد أنْ بقيت سراً لا يعرفون مصدرها ولا الذي يقوم بها، إنه الإمام زين العابدين (ع)، يدور بنفسه لدعمه المحتاجين في درسٍ تكافلي تعلمه الناس منه على مر الأزمان.
ومن الأُمور المهمّة التي كانت واضحة في سيرة الإمام زين العابدين (ع) التأكيد على الأخلاقيات، ومنها: العفو عن الآخرين لدى إساءتهم، وعدم الردّ بالمثل. ففي دعائه المعروف بـدعاء (مكارم الأخلاق) يقول: اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وحلّني بحلية الصالحين، وألبسني زينة المتّقين، في بسط العدل، وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة، وضمّ أهل الفرقة، وإصلاح ذات البين، وإفشاء العارفة، وستر العائبة، ولين العريكة، وخفض الجناح.
ومن الدروس الأخلاقية المهمة والأساسية التي عمد الإمام السجاد (ع) إلى نشرها بين المسلمين، قيمة الحلم، وكظم الغيظ، وعدم التسرع في الرد، سواء في القول أو بأساليب أخرى، فالحلم يعني كبح الغضب وامتصاص التوتر، الأمر الذي يؤدي إلى إطفاء جذوة العصبية الحادة، وتخفيف رد الفعل، وتهدئة النفوس، والتعامل بالحسنى مع الآخرين.
الحلم سمة عظيمة من سمات أهل البيت (عليهم السلام)، وكان الإمام زين العابدين يعلّمها لمحبيه وطلابه ومريديه بالفعل وليس بالقول وحده، وكان هؤلاء يلاحظون ويرون بأم أعينهم كيف يتعامل الإمام (ع) مع من يسيء إليه من الأعداء أو غيرهم، فكان شديد الحلم، لدرجة أنَّه قادرٌ على امتصاص غضبه، بحيث لا يمكن ملاحظة أية تعابير توحي بالعصبية أو التذمر، من خلال كظم مشاعره في أعماقه.
لقد تكفّل الإمام زين العابدين (ع) خلال أيّام حياته العديد من الناس، فكان يؤمّنهم ويقضي حوائجهم في العيش. فعن محمّد بن إسحاق أنّه كان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلمّا مات علي بن الحسين (ع) فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل. وكان الإمام يركز على الفقراء والمحتاجين، وكان يجمع ما يتبقى من قوت أهله، ويضعه في جراب، يحمله على عاتقه، ثم يبدأ يجول ويدور على بيوت الفقراء والمحتاجين بشكل سري، فيوزع عليهم تلك المعونات بيتاً بيتاً، ولم يكن يبالي بتعب أو مرض أو راحة، فالمهم لديه هو أن تصل المعونات إلى محتاجيها في كل ليلة.
بهذه الأخلاقيات والدروس العملية والنظرية، يعلمنا الإمام السجاد كيف نساعد بعضنا، وكيف نحمي أنفسنا بالأخلاق والقيم التي تحافظ على اللحمة الاجتماعية، وتزيد من التماسك المجتمعي، عبر قيم كبيرة لا بُدَّ من العمل بها، كالعفو والحلم والتكافل والتعاون في جميع المجالات، فالأمة التي تتعاون في ما بينها أخلاقياً وقيميّاً سوف تواصل السير في الاتجاه الصحيح دائما
وأبداً.