خالد جاسم
انفضَ سامر الحديث عن مشاركتنا في الدورة العربية بعد أن جاءت النتائج متطابقة مع التوقعات ومنسجمة مع واقع الحال ولا شيء جديداً يستحق التعليق هنا حتى وأن ذهب كثيرون في خلاف ذلك عندما تحدثوا عن تطور الاخرين وكيف تحصد الأمم الأوسمة مع أن هذا الحصاد متطابق ومنسجم تماما مع مجهودات كبيرة تستند إلى التخطيط العلمي الصحيح والحسابات الدقيقة وليس نتاج فوضى وانعدام شبه تام لشيء اسمه التخطيط , وسيادة شبه مطلقة لمنطق العمل بالغريزة والعاطفة وليس العقل .
نحن ومع كل دورة عربية أو آسيوية أو أولمبية نجتر الحديث نفسه فنستذكر البرونزية الوحيدة واليتيمة في تأريخنا الاولمبي لصاحبها الراحل عبد الواحد عزيز , عزيز ابن البصرة يذكرني ببيت شعر لبدر شاكر السياب في قصيدته الأثيرة (غريب على الخليج)..عندما قال :
الرّيحُ تصرخُ بي عِراق والمَوجُ يُعوِلُ بي عراق، عراق
ليسَ سِوى عراق البحرُ أوسعُ ما يكون
وأنتَ أبعدُ ما يكون والبحرُ دونَكَ يا عراق
وما زلنا عاجزين منذ أكثر من نصف قرن عن تكرار إنجازه طالما نحن مصرون على سياسة الهروب الى أمام.
وكعادتنا بعد كل دورة رياضية كبيرة شمرنا عن سواعدنا وشحذنا أسلحتنا وجهزنا المداد لأقلامنا في الحديث عن الإخفاق والفشل وكأننا خارج دورة الزمن ونعيش في كوكب آخر فننتظر من عداء أو رباع أو مصارع أو جذاف أو من غيرهم اجتراح المعجزات والعودة مكللين بالغار وتزين صدورهم الأوسمة مع إننا لم نبلغ عتبة التطور والمنافسة الحقيقية لأشقائنا العرب وأصدقائنا الاسيويين بل وتراجعنا دهرا حتى عن أقرب جيران , وكالعادة رمى المسؤولون مبررات ما حدث ويحدث على شماعة ضعف الإعداد وقلة الاحتكاك وسوء الحظ وشح الأموال وقوة المنافسة والى غير ذلك من أسانيد التبرير وهي جميعا صحيحة لكن أحدا لم يسأل أو يتساءل ويقول : هل نحن نمتلك فعلاً مقومات تؤهلنا لحصد وسام أولمبي واحد على سبيل المثال؟
الجواب بكل بساطة هو كلا بل وألف كلا .. والأسباب هنا معروفة لنا جميعا والكل يتحمل المسؤولية وليس من المنطق أو المعقول أن نتهم هذه الجهة أو تلك مع الاعتراف هنا طبعا بمقصرية الاولمبية على صعيد غياب التخطيط العلمي وهو تقصير تتحمله الاتحادات الرياضية كما تتحمله وزارة الشباب لأنها الجهة المسؤولة عن توفير البنى التحتية الأساسية والتي بدون توافرها وحضورها الفعلي وليس على الورق أو في كرنفالات وضع الحجر الأساس أو في تواصل العمل في هذا الملعب المنهك أو ذاك التي لا تغني ولا تسمن عن جوع حتى في حال إنجازها لن يتمكن جهابذة التخطيط وعباقرة التدريب من بلوغ العتبة الأولى في صناعة مشروع بطل أولمبي.. وكيف نطلب من الأولمبية أن تنهض بالتخطيط الصحيح ووضع ستراتيجية عمل رياضي سليم وهي ممزقة من الداخل وكيف نتوقع من اتحادات رياضية معظمها مبتلية بشبه الأميين أن تنتج لنا أبطالا أولمبيين .. وماذا نتوقع من أفعال وخطوات واقعية من أكاديميين وخبراء بعضهم يرفع سيف الشتائم على الاخرين وقذفهم باللعنات واتهامهم بالجهل والأمية لأنهم استبعدوا عن السفر إلى هذه الدورة أو تلك.. لماذا لا نكون شجعانا ونعترف بواقع الحال الذي يتلخص بحقيقة أننا من يدمر رياضتنا, لأن كل منا يريد الحلب المستمر من ثدي البقرة الحلوب.. الرياضة العراقية التي تنحر يوميا على مذبح المصالح وليس في أعياد الله أكبر. لست متشائما لكن أتحدث عن وقائع أمتلك تفاصيل أرقامها وشخوصها وأبطالها بمئات الأوراق والملفات .