السياحة والإثراء الاقتصادي

اقتصادية 2019/05/01
...

وليد خالد الزيدي
 
تصنفُ الثروات بين ما هو طبيعي وما هو بشري على أساس فعل وجودها وزمن ديمومتها ودرجة عطائها، ولو عدنا في هذا الأمر إلى قطاع السياحة لوجدناه يأخذ من كلا الحالتين، فالسياحة نتاجٌ بشريٌّ يستثمرُ فعلياً ما موجود من عناصر الثروات الطبيعيَّة في كل بقاع العالم، ولا يمكن أنْ تعتمد فقط أساساً على ما يمكن أنْ يصنعه الإنسان بيده وما ينفذه من خطط وبرامج ذاتيَّة، وإذا يحدث ذلك الأمر فإنَّه سيكونُ صعب التنفيذ ومحدود الفائدة وقصير الزمن، ويفقد قيمته الاقتصادية في أغلب الأحيان.
فعلى سبيل المثال يمكن تنفيذ مشروع سياحي في محافظة البصرة، تتراوح مدة إنجازه بين شهرين أو ثلاثة على أكثر تقدير، وعلى مدى أيام فصل الشتاء المعروف بظروف الأجواء فيه كاعتدال درجات الحرارة، وانخفاض نسبة الرطوبة في معظم مناطق المحافظة، إذ يمكن أنْ نجعل من ضفاف شط العرب وشارع العشار وبساتين النخيل والأهوار ومناطق أخرى، مواقع جذب سياحيَّة موسميَّة، ذلك لأنَّ الطبيعة تفرض نفسها بقوة على كل من يسعى إلى ذلك.
فخلال فترة الصيف التي تمتدُ في جنوب العراق إلى سبعة أشهر تقريباً ترتفع أثناءها درجات الحرارة ومعها نسبة الرطوبة ما يصعب استثمار المشاريع السياحيَّة فيها التي تتطلب أجواءً ملائمة طبيعيَّة لها.
وبالعودة إلى مظاهر الجمال في العراق ومصادره جاءت مبادرة وزارة الثقافة والسياحة والآثار متمثلة في معرضها الخاص بطبيعة البلد من خلال تنظيمها مهرجاناً حمل عنوان “الطبيعة أجمل في بلادي” بأعمال فنيَّة صورت مواقع الجمال بعدة مناطق في أرض العراق منها الموصل، وزاخو، والزاب، وعكست الطبيعة الخلابة التي يتميز بها بلدنا والمناطق الجميلة فيه حيث الطبيعة الملائمة والأجواء المناسبة لقيام المشاريع
 السياحيَّة.
هذا يجعلنا أمام ظروف مثاليَّة لوضع الخطط وتنفيذ البرامج الخاصة بقطاع السياحة، لا سيما عند مجاري الأنهار والشلالات ذات المناظر الخلابة والطبيعة الساحرة التي تضيف إلى هذا القطاع الحيوي عناصر مهمَّة للدخل والموارد المالية التي يمكن أنْ تسهم في رفع مستوى أداء الاقتصاد العراقي وتجعله يتقدم بشكل كبير، ويحقق أهدافاً تنموية مهمة، من شانها أنْ تسهم في رفد عملية التطور فيه بالكثير من مقومات النهوض والازدهار.
لا بدَّ من الإشارة إلى أهمية تعضيد إجراءات مفتشية الآثار في كركوك التي نفذت بموجبها مسوحات تخص مواقع آثاريَّة يمكن استثمارها لقطاع السياحة فيما لو تم رفع التجاوزات عنها، كما تشرف المفتشية على أعمال الصيانة لسوق القيصرية التاريخي التي تنفذها منظمة “بيكا”التركية، إذ بلغت نسبة الإنجاز فيها (50 بالمئة) بموجبها ستتم إعادة الطراز التراثي لها، فضلاً عن بناء المنتجعات الترفيهيَّة فيها لتشجيع
 استثمارها.
نحن نعلم أنَّ كركوك تزخرُ بالكثير من المعالم الحضارية مثل التلول الأثريَّة جنوب شرق المدينة التي تعرضت للتخريب من قبل المجاميع الإرهابيَّة، كتلول قرية غيدة، وموقع قشلة كركوك. 
كما شملت المفتشية بأعمالها المسوحات الخاصة بالمتحف الفولكلوري لإعادة افتتاحه أمام الزائرين واستقطاب السياح والمهتمين بالتراث، كذلك سعيها إلى تفعيل هذا القطاع في كل المناطق من خلال تنفيذ المشاريع المتعلقة بإنشاء المنتجعات والمواقع السياحية ومدن الألعاب للتنزه بالتعاون مع الشركات السياحيَّة وتشجيع بناء المرافق الخدمية كالفنادق والصالات والمولات التجارية القريبة من تلك
 المواقع. 
وتشجيع الاستثمار فيها والعمل على إيجاد الحلول لبعض العقبات التي تقف حائلاً أمام السياحة، كمشكلة نزاعات الملكية وعائديَّة الأراضي أثناء التخصيص ومشكلة الأراضي الزراعيَّة، وبعض المواقع الحيويَّة وفك ارتباطها بالدوائر والمؤسسات الأخرى وحسم أمر
 إدارتها.
تلك الإجراءات يمكن أنْ تبلغ أهدافها إذا ما أسهمت جميع الجهات ذات العلاقة برفدها بعوامل النجاح، كالإدارات المحلية وهيئات نزاعات الملكية ودوائر الفندقة والسياحة ومنظمات المجتمع المدني التي يمكن أنْ تحفز أطر التوعية والتثقيف لدى جميع طبقات المجتمع، لتوضيح أهمية قطاع السياحة في دعم الاقتصاد الوطني بعناصر إثراء إضافيَّة.