المصارف الألمانيَّة تتنافسُ على تقديم القروض العقاريَّة

اقتصادية 2019/05/01
...

برلين / محمد محبوب
 
الموقف الجامد السلبي وغير المبرر لقطاع المصارف العراقية إزاء تمويل شراء أو بناء المواطنين العراقيين لمنازل سكنية، دفعني الى الكتابة عن التجربة الألمانية في هذا المجال، إذ تتسابق المصارف الألمانية على تقديم قروض للمواطنين من أجل شراء أو بناء منازل بشروط ميسرة، وذلك بضمان العقار نفسه بعد وضع إشارة حجز عليه في مكتب السجل العقاري، فلا يستطيع المواطن بيعه قبل الوفاء بحقوق المصرف، وإنْ تعسر المقترض في الدفع، فمن حق المصرف المُمول أنْ يبيع المنزل في المزاد العلني، وهنا يفضل أنْ تستفيد المصارف العراقية من هذه التجربة ولا تعزف عن تقديم القروض العقارية للمواطنين بضمان العقار ذاته وتحقق أرباحاً بدلاً من حالة الركود التي تعاني منها.
 
استثمار الفناءات
لكنَّ ألمانيا تعاني حالياً من شح الأراضي الخالية داخل المدن أو على أطرافها، والتي يمكن تحويلها الى سكنية، لا سيما في المدن الكبيرة، لذلك يجري استثمار بعض الفناءات الخالية والمناطق الزراعية ومقتربات الطرق السريعة داخل هذه المدن أو على أطرافها لتحويلها الى السكن، كما تتوسع المدن الصغيرة عبر بناء المساكن فيها، ويشمل نظام السكن في ألمانيا “العمارات السكنية” أو “الأبراج السكنية”، والمنازل التي تنقسم الى ثلاثة أنواع وهي “المنزل المنفرد” و “المنزل المزدوج” و”المنازل المتلاصقة”، الأول يكون منزلاً قائماً بذاته على قطعة أرض لا يلتصق به منزل آخر، والثاني على شكل منزلين توأمين ملتصقين من جهة واحدة ولكلٍ منهما أرضه الخاصة، والثالث عدة منازل توائم ملتصقة متراصفة ولكلٍ منها أرضه الخاصة.
وعادة تتولى شركات مقاولات شراء الأرض من قبل الدولة أو من الأفراد، وتقوم بإشراف السلطات المختصة في المدن، أما في بنائها على شكل عمارات سكنية أو منازل سكنية، وتعلن عن تفاصيل المشروع للجمهور، ويستطيع المواطن التعاقد مع الشركة لبناء شقة أو منزل وفق المواصفات العامة التي تضعها الشركة أو حسب المواصفات التي يرغبها المشتري، بالطبع يزيد السعر كلما زادت رغبات المشتري، ثم يجري تصديق العقد عند موثق العقود (كاتب العدل)، ويتعين على المشتري دفع المبلغ بعد توقيع عقد الشراء خلال شهر الى شهرين، ولا يجوز التراجع عنه من كلا الطرفين.
في حالة العقار القديم يُدفع المبلغ دفعة واحدة، وإذا كان العقار تحت الإنشاء فيتم دفع المبلغ على 12 قسطاً، والأخير 5 بالمئة يدفع بعد تسليم العقار، وإذا كان المشتري لا يملك المبلغ كاملاً أو جزءاً منه، لا بدَّ أنْ يتعاقد مع أحد المصارف التي سوف تتنافس في تقديم خدماتها ومستعدة حتى لإرسال أحد موظفيها الى بيت المقترض للاتفاق على شروط العقد، وبعد التوقيع مع المصرف المُمول يتولى دفع ثمن الشقة أو المنزل الى الشخص البائع أو الشركة البائعة بصورة مباشرة ولا يُدفع الى المقترض خوفاً من تصرفه بالمال أو ربما هروبه المحتمل، لا سيما أنَّ المبلغ مغرٍ عادة.
 
ضريبة العقار
يتعين على المشتري دفع ضريبة “شراء عقار” للدولة وهي تعادل 6 بالمئة من قيمة العقار، وهذا المبلغ يجب دفعه خلال 20 يوماً من تاريخ تسلم رسالة (كتاب) من مكتب الضرائب التابع لوزارة المالية، وتستغرق عملية التسجيل العقاري قرابة الشهرين الى ثلاثة شهور بعد توقيع عقد الشراء، وتشمل تكاليف التسجيل أجور موثق العقود (كاتب العدل)، ومكتب السجل العقاري والبالغة نحو 1.5 بالمئة من قيمة العقار، كذلك ضريبة البلدية وتتراوح بين 300 الى 700 يورو سنوياً، وفي حالة العقار المشيد القديم، إذا تم الشراء عن طريق شركة سمسرة (مكتب دلالية) يتعين دفع عمولة 5 بالمئة من قيمة العقار.
 
ازدياد الطلب
واليوم تحتل ألمانيا المركز الأول بين الدول الأوروبيَّة في قطاع الاستثمارات العقارية لتزيح بريطانيا من على عرشها الذي جلست عليه منذ سنوات طويلة، وهناك أسباب لازدياد الطلب في سوق العقارات الألماني أهمها تدني مستوى الفوائد على القروض العقارية بشكل لم يسبق له مثيل حسب تقارير المصارف
 الألمانيَّة.
ويمكن حالياً الحصول على قرض عقاري بمعدل فائدة أقل من 2 بالمئة مقابل 10 بالمئة قبل عشر سنوات، فضلاً عن التوجه المتزايد نحو الملكية العقارية لدى جيل الشباب في ألمانيا مقارنة مع جيل الآباء الذي عاش غالبيته في السكن المستأجر، لكنَّ الملكية العقارية الخاصة لا تزال نسبتها متدنية في ألمانيا مقارنة ببقية البلدان الأوروبية، كما أنَّ أسعار العقارات في المدن الألمانية لا تزال دون مثيلاتها في مدن أوروبا الغربية، الأمر الذي يجذب مستثمرين من هذه الدول للشراء فيها، وتقدم ألمانيا تسهيلات للمستثمرين وتمنحهم تأشيرات دخول وإقامة تمتد لسنة أو أكثر لتمكينهم من الإشراف على مشاريعهم ومتابعتها، ويتوقع خبراء العقار الألمان المزيد من الزيادة في الطلب والارتفاع في الأسعار.
 
مساكن جديدة
يقول مدير المعهد الاتحادي للبناء وأبحاث المدن هارالد هيرمان: إنَّ “هناك حاجة لبناء 350 إلى 400 ألف مسكن جديد بدلاً من 270 ألفا كما قيل في وقت سابق، وقد خصصت الحكومة حتى الآن ستة مليارات يورو لتوفير ما يسمى بـ(السكن الاجتماعي)”.
يقول رئيس “جونز لانغ لاسال” للاستشارات العقارية العالمية كونستانتين كورتمان: إنَّ “ارتفاع الطلب على استئجار المنازل في ألمانيا يعدُّ فرصة سانحة أمام المستثمر الأجنبي الراغب في شراء العقار بغرض الحصول على عائدٍ مستقرٍ عن طريق إعادة تأجيره للمواطنين
 الألمان”.
وأضاف كورتمان أنَّ “مزاج المواطن الألماني لا يميلُ الى تملك العقار، وإنما يستسهل الاستئجار، وأنَّ معدلات الإيجار تزداد في المدن الكبيرة الجاذبة مثل فرانكفورت، إذ تصل نسبة النمو فيها نحو 10 بالمئة سنوياً، وهي نسبة متميزة مقارنة ببقية المدن الألمانية الأخرى التي لا يصل متوسط نسب النمو فيها إلى 5 بالمئة سنوياً”، مؤكداً أنَّ القوانين في ألمانيا تحظى بالقوة والوضوح، وانَّ التملك في ألمانيا حرٌ بنسبة 100 بالمئة، وأنَّ عقود الشراء تتميز ببيانات مفصلة، ما يضفي عليها مزيداً من الشفافية، مع ضمان الالتزام بمعايير البناء والتشييد، كما يحمي القانون الألماني مشتري العقار من أية حالة إفلاس قد تصيب الشركات الألمانية، ويحق للمستثمر الأجنبي الحصول على قرض من المصارف الألمانية بنسبة تصل الى 54 بالمئة من قيمة العقار، ما يعدُّ عاملاً مشجعاً للمستثمرين، لا سيما إذا ما عرفنا أنَّ مدة السداد تصل إلى 10 سنوات”.
 
أسعار العقارات
شهدت ألمانيا ارتفاعًا ملحوظاً في أسعار العقارات، فقد بلغت قيمة عقود شراء الشقق والمنازل والأراضي والعقارات التجارية عام 2017 250 مليار يورو، بزيادة نسبتها نحو 9 بالمئة مقارنة بقيمتها في
 2016. 
وإنَّ أسعار العقارات آخذة في الارتفاع منذ عشرة أعوام، وتواجه سوق الإسكان الألمانية، وهي سوق محدودة بالفعل، ضغوطاً إضافية من المستثمرين من جميع أنحاء العالم، وبلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية نحو 59 مليار يورو في قطاع العقارات الألماني عام 2017، أي ما يقارب الثلاثة أضعاف قيمتها عام
 2010.
ومن جهة أخرى كشفت دراسة حديثة عن تزايد عمليات غسيل الأموال في قطاع العقارات بألمانيا، وأظهرت الدراسة، التي أجرتها منظمة الشفافية الدولية، التزايد في استثمار أموال أجنبية مجهولة المصدر، وجاء في الدراسة “بحسب التقديرات، فإنَّ عمليات غسيل الأموال في قطاع العقارات الألماني بلغت في العام 2017 أكثر من 30 مليار يور”، وجاء في الدراسة أنَّ سوق العقارات في ألمانيا، بحجمها الذي وصل إلى نحو 239 مليار يورو عام 2016، تمثل إمكانية كبيرة لغسيل
 الأموال. 
وأكدت أنه ليس من المعروف عدد العقارات والأراضي التي تمتلكها شخصيات أجنبية، وانَّ السماسرة وموثقي العقود لا يبلغون عن حالات الاشتباه في غسيل الأموال، وبالتالي لا يسهمون في مكافحة هذا النوع من الجرائم.