عدنان أبوزيد
ما يُحسب لصالح الصحافة التقليدية، ندرة الأخبار الملفّقة، وجودة المحتوى، فيما الصحافة الرقمية، وأخبار الموبايل والتواصل الاجتماعي، تعجّ بالزيف والتدليس، الذي يتكاثر بشكل أميبي، لا اتّجاه له، تعجز عن لجمه، التقنيات والتطبيقات الخوارزمية، ومهارات الذكاء الاصطناعي.
نعم، انها نعمة، في تعزيز العلاقات والتفاعل الاجتماعي، والحصول على المعلومة اللحظية المتدفقة من دون بوابات سيطرة، ولا حسيب أو رقيب، لكن آثارها السلبية، باتت فادحة، وتنذر بالخطر على المجتمعات، لاسيما حين تتناول الحساسيات الطائفية والدينية والقومية، وخصوصيات الأفراد، لاسيما النساء، عبر سلاسل من الإشاعات الممنهجة، ومن ذلك ان منظمة العفو الدولية رصدت 800 رسالة مسيئة موجهة الى نساء معروفات، في العالم، بما في ذلك عضوة في الكونجرس الأمريكي، ونائبة في المملكة المتحدة. وأظهرت بيانات الاتحاد الأوروبي العام 2017، أن 70 في المئة من تعليقات الكراهية غير القانونية، تم الإبلاغ عنها.
لكن ما يحدث في العالم الثالث، لاسيما العراق والدول العربية، أفظع من ذلك بكثير، فيما وسائل الردع أقل، مقارنة بوسائل الغرب في الدفاع الرقمي.
وكلما انحدر الوعي، لم ترتفع معدلات الاخبار الكاذبة، فحسب، بل يزداد المصدّقون بها، فتنسحب على ردود افعالهم ومواقفهم، ويبدو ذلك جليا في التواصل العراقي والعربي، اذ غالبا ما ينسجم المئات مع خبر، ويتفاعلون معه، افتراضيا وواقعيا، فيما هو في الواقع، كاذب، ليس له أدنى نصيب من الصحة.
إنّ أيّ تحليل للبيانات المتعلقة بفعاليات العراقيين في اعلام التواصل الاجتماعي، من ناحية دقة المعلومات والصدق في مواقع التواصل الاجتماعي، سيدرك جيدا ان هذه النافذة العظيمة، يُساء استخدامها في العراق، والبلاد العربية اكثر من اية دولة أوروبية، على سبيل المثال لا الحصر.
تجارب العراقيين في خارج البلاد، تفيد بان الشاب الهولندي، مثلا، يستثمر وقته على الفيسبوك، لأغراض ضرورية مثل التواصل مع العمل او مع صديق دراسة، او لأجل الأسئلة المتعلقة بالمهنة والهواية. وفي ألمانيا، فان التواصل الاجتماعي، باعتباره متعة وقضاء الوقت بلا طائل، لا يكاد تجد له اكتراثا، على رغم الانترنت السريع. في الدول العربية يُوَظّف التواصل الاجتماعي، في أغراض سلبية، عديدة، ومتنوعة، أبرزها التهييج الطائفي والديني، والانتقاص من الشعوب والعقائد، والترويج الحزبي، والتحرش الجنسي، والتمييز بين النوعيات البشرية فيما يندر ذلك بشكل واضح في الشعوب ذات المستويات الجيدة في التربية والتعليم.
لا أحد ينكر، إنّ شركات الخوارزميات، ليست بعيدة عن الاتهامات بغضّها النظر عن الاخبار الزائفة التي يتابعها الملايين من المتابعين، فهي تفضل ارصدتها المالية، على المكاسب الأخلاقية والإنسانية.
سيكون أمراً عظيماً، لو اخذ الفرد في نظر الاعتبار، السلوكيات الأخلاقية والإنسانية في التعامل مع آلات التواصل الجديدة.
وسيكون مجدِيا جداً، إذا ما وُظّفت تقنيات التواصل الحديثة في انجاز معاملات المواطنين، من قبل المؤسسات الحكومية، كما يحدث في هولندا مثلا، حيث تخبرك البلدية والمؤسسة والصيدلية، بموعدك، ووقت استلام دوائك، ولحظة تلبية طلبك من متجر، واكتمال اصدار هويتك من قبل الجهة المعنية، عبر التراسل الفوري في الموبايل.
كما سيكون الأمر ذا نفع عظيم، حين نجد أنفسنا وقد تحولنا الى “كائنات اجتماعية” تديم الثقة وتعزز الصدق عبر
التراسل الافتراضي، وان نقدّم أنفسنا الى الاخرين، كما نحن، قلبا وقالبا، من دون الاختباء خلف شخصية افتراضية غامضة، أو وهمية.
ثمة حاجة الى تعزيز محتوى تواصلي عراقي، يرفد المتابع بالمعلومة الصحيحة، فيما على الجهات المعنية، ايجاد آلية مراقبة حديثة كما في أوربا، تغلق الثقوب السوداء التي يتسلل منها الكذب والتزييف، لكنها لا تتجاوز على حرية الرأي.