شاعر أغنية (ياعشكَنة)

ثقافة شعبية 2023/08/10
...

  وجدان عبدالعزيز

حينما نتناول أي مبدع، وندرس مدى حضور انتاجه الثقافي وتأثيره في مسيرة الثقافة، فإنّنا قد أضفنا لتراث الأمة أثرا آخر، قد يحمل هذا الأثر سمة العصر ويتحدّى حالة سكونه، ومن ثمَّ يستحق منا هذا الأثر التدوين في مسلّة الإبداع الأدبي والفني، فالتراث بما فيه الفكري والأدبي يشكل هوية ثقافيّة لأي أمة، لأنه تشكيل للوعي والهوية، ويُعد أهم عناصر وحدتها وتكاملها سيكولوجيا وثقافيا، والتراث الشعري الغنائي له بصمة مؤثرة في الذات الجمعيّة، وقد لا نأتي بجديد، حينما نقول إن الشاعر الراحل كاظم الرويعي، كان شاعراً لامعاً تأصّلت تجربته الشعريّة من خلال أروع النصوص الغنائيّة الخالدة التي كتبها هذا الشاعر، وانها فعلا استقرت في الذهنية الجمعية، كونها حملت همّاً إنسانيّاً وعبرت عن مشاعر عامة الناس، بحيث طرحت هذه الهموم الانسانيّة بصور جماليّة تجلّت من خلال امتزاجها بالموسيقى والاصوات الغنائيّة المبدعة، فرائعته التي غناها المطرب الكبير فؤاد سالم (يا عشگنه) واحدة من القصائد الغنائيّة الشعبيّة المعروفة، لأنّها حملت أبعادا اجتماعيّة ونفسيّة كبيرة، كون الشاعر استقاها من نهر الحياة العراقيّة وجمالها، فكانت قصيدة خالدة تغنّت بالحب والأرض والحياة، ولما تحولت الى لحن واغنية بصوت المطرب الكبير فؤاد سالم، تلوّنت أكثر بألوان الحياة وجمال الطبيعة وبساطة العيش، فهي تُحاكي طبقة الفلاح المكافح المحب لأرضه، ثم تحولت الى علامة ثقافية في التراث الفني الغنائي العراقي.. يقول الشاعر الرويعي 

فيها:

 (يا عشگنه...فرحة الطير...اليرد لعشوشه عصاري

ياعشگنه ايمد سوابيط العنـب ونحوشه عصاري

گاعنه فضه وذهب وأحنه شذرها

ياحلاة العمر لو ضاع ابعمرها

ياعشگنه.... يا عشگنه)

هذه الكلمات التي عانقت روح البساطة، وزادها شفافية اللحن والموسيقى وصوت المطرب المرحوم المبدع فؤاد سالم، تحولت الى أرجوزة تراقص سنابل الحقول، وتراقص حب الفلاح للارض، ولن تكتفي عند هذا الحد، بل راحت تتأصل بالنفوس وتتنقل من عصر الى آخر، كونها ترنيمة كما قلنا لامست الحب والجمال.. وجاء في مقاطعها الأخرى بث روح الاخوة والتعاون كما في قول الشاعر : 

(أيدي وأيدك عالمساحي... ألدنيه تموز وشمس

وليلي اضوه من صباحي والوكت زفة عرس

اتطوف اغانينه ابشلبنه وهورنه

ولو سعينه الخير خـــير ايزورنه)

فالحياة سعي، لكن اذا ما تعزز هذا السعي بالحب والتعاون، سيكون الخير هو الساعي لنا، فالشاعر المرحوم الرويعي وهب عمره من أجل الأغنية الهادفة، فكان رصيده (400) اغنية ما زالت عالقة بالاذهان، وكتب اوبريتات ولوحات اذاعية تتغنى بحب الناس لثورة تموز 1958 وهذه الأوبريتات هي: شع النهار- العيد الجديد- شوگ الديرة، سجلت في حينها. إذن الشاعر كاظم الرويعي تراث من الشعر الغنائي الذي عبر بيئة بلده الى بلدان أمته العربية، حيث امتاز شعره برقة وعذوبة وصدق مشاعر فمثلا اغنية المطرب (حميد منصور) التي كتبها الرويعي وعنوانها (يم داركم)، حيث يصف فيها الشاعر مشاعر مغرم مر صدفة بدار الحبيب، وكيف انهالت الذكريات على مخيلته؟، جعلت من حبه الذي خفت أواره ان يتجدد فيكثر من العتاب الرقيق حيث يقول:-

(يم داركم صدفة واخذني الدرب يم داركم

والتمت بروحي المحنة واشتهيت اخباركم)

وكذا قصيدته (ليلة ويوم) غناء: سعد الحلي التي تقول :

(غفى رسمك بعيني من الصبا لليوم

وطيوفك ضيوفي بصحوتي وبالنوم 

نثرت العمر بدروبك واقول ادوم)

وكانت ولادة الشاعر المرحوم الرويعي في محافظة بابل ناحية المدحتية 1941م، وحمل إصرارا على تثقيف نفسه بنفسه، ومن اثاره الشعرية ديوانان: «البيرغ» (البيرق) - مكتبة نعيم الشطري – بغداد 1968/ و «الفجر وعيون أهلنا» - مكتبة نعيم الشطري - بغداد 1975.

وهناك ملاحظة مهمة في تاريخه الثقافي أنَّه أيضاً كتب شعراً فصيحاً، كان له تأثير على المتلقي..