رموز ومرجعيات ثقافيَّة

منصة 2023/08/13
...

 حسين رشيد

ها قد مضى عقدان من السنين على التغيير السياسي في البلاد منذ نيسان 2003، ومضت حقبة سياسية شهدت جملة تحولات اجتماعية وثقافية، وحلّت حقبة أخرى تسارعت فيها التحولات والمتغيرات الاجتماعية والثقافية، وتنوع الانتماء الفكري والأيديولوجي، والانفتاح الواسع على العالم وما يشهده من تحديثات يومية لمجمل تفاصيل الحياة،
 يأتي ذلك عبر وسائل حديثة وتقليدية عدّة مطورة تسهّل الاطلاع على أفكار العالم الجديد، وتخوض صراع الرؤى والتنظير في الثقافة والأدب والفن، وتتيح التنافس لصناعة الأفضل والأجمل، وتستبق لفتح طرق جديدة للحريات وصنع إضاءات تنير العتمة وتخلّص الفرد من التبعية والسقوط في التقليد وتمحو الخطوط بألوانها وتوقف السير خلف أفكار ورؤى الآخرين، ممن عدهم البعض من المثقفين والأدباء رموزا ومراجع ثقافية، يحاولون فرضهم، وهم بذلك يعمدون إلى ترسيخ أفكار غادرتها المجتمعات المتحضرة، ويسعون إلى تقليد المنظومة الدينية.
العالم الجديد ينظر إلى جمال الفكرة ومقبوليتها وانتشارها الرحب، ويهتم بالرؤى ويتبادلها ويُنْضِج الأهم منها، ويسوقها، ويفك الشفرات الكتابية، ويمسح أي حواجز تمنعها من التقدم الفكري وما يعيق صناعة الأفكار الجديدة، والعمل على الاستفادة من منظومة الثقافات السابقة وفق ما يراه مناسبا للمرحلة الآنية، إذ يدخلها في مختبر التحليلات عبر الدراسات والنقاشات الحرة، البعيدة عن قيود الأسماء والرموز وما يعرف في عالمنا بالمراجع الثقافية والخطوط الحمر التي يُمنع التحدث عنها، أو نقدها، أو الاعتراض على أفكارها وآرائها، فعالمنا ما زال محكوما بالتبعية الثقافية والارتماء في أحضان شتى المسميات التي لا أهمية لها أو حتى وجودها في العالم الجديد، مثل النقابات، والاتحادات، والجمعيات الثقافية والفنية التي يراد تسويقها على أنها مرجعيات لابد من العودة لها في كل شان، هذا التسويق الذي يراد منه إيجاد جيوش مستعدة للدفاع عن الشخوص، وعدم السماح بتوجيه أي نقد لعمل تلك الجهة.
نحتاج اليوم لفهم التحولات المتسارعة في العالم الجديد، وخلق مقاربات لسواحل تلك التحولات، وعلينا السعي بعدها إلى الخوض في حافتها، تمهيدا للدخول إلى أعماق تلك التحولات التي حتما منها ما يصعب علينا هضمه أو العمل وفقه، أو حتى بناء استنتاجات يمكن فهمها واستيعابها، فالمرحلة المقبلة تحتم علينا الانطلاق إلى أفق أبعد والدخول في مساحات جديدة من الفعل الثقافي والكتابة الأدبية والفن، لكن ليس قبل مناقشة كبوات المراحل الماضية منذ 8 شباط 1963 إلى يومنا، مع إعطاء مساحة مراجعة ومناقشة لمرحلة ما بعد نيسان 2003 التي كان يطمح منها خلق بيئة ثقافية مغايرة لنمط الثقافات التقليدية، وصناعة كتابة جديدة ترمى اسمال ومخلفات كتّاب وكتابات المرحلة الماضية وكل جوانبها التعبوية، والمضي نحو آفاق التحرر من أي التزام يعيق تأثيث تلك المساحات بالنجز الثقافي والإبداع الأدبي والجمال الفني، والأفكار الإنسانية والرؤى المضاءة بالعقل المعرفي.