فـي عـَيـن العاصفـة

الرياضة 2023/08/14
...

علي رياح 



بعض أحداث الكرة وحوادثها يستعصي على مغادرة الذاكرة حتى مع رحيل صناعها أو أبطالها أو ضحاياها، تبدأ بمعطيات تفرضها البديهة وتنتهي إلى ذروة ما نسميه المفاجأة التي لم تكن في الحسبان.

حين تعود الروح إلى منتخبات المحافظات في بطولة مركزية سنوية، فإن هناك من يرى فيها ضرورة حتمية لاستنهاض قيمة المواهب وفقاً لجغرافية المكان داخل البلد الواحد، وبعض آخر يرى فيها التزاماً تنظيمياً لا معنى أو لا جدوى منه خصوصاً حين تخترق هذه المباريات أجواء الصيف القائظ.

ولكنني وفي مسار مواز للرأيين، استعيدُ أجواء أكثر بطولات المحافظات إثارة للجدل لما انطوت عليه من سقطات تراجيدية لكبار النجوم أمام زحف فريق محافظاتي مغمور أحدث دَويّاً في أوساط الكرة العراقية.. أتحدث عن الأدوار النهائية للبطولة التي أقيمت في نيسان من عام 1978، وشارك فيها منتخبنا الوطني (بغداد أ) ومنتخب بغداد (ب) ومنتخب الشباب الذي فاز لاحقاً ببطولة شباب آسيا، ومنتخبات البصرة وكركوك (التأميم سابقاً) وصلاح الدين.

أفضت بعض مباريات البطولة إلى نتائج مفاجئة، لكن (الزلزال) الذي اهتزّت له البطولة بعنف كان فوز منتخب كركوك بقيادة مدربه الراحل عمو بابا على منتخب بغداد الأول (المنتخب الوطني) بعد مباراة عجيبة لم تحسم إلا بالركلات الترجيحية.. تقدم المنتخب حتى الدقيقة الرابعة من الشوط الثاني بثلاثة أهداف من دون مقابل، بإمضاء حسين سعيد وفلاح حسن (2)، وكانت كل المؤشرات تؤكد أن المنتخب في صدد الخروج بوليمة من الأهداف أمام فريق مغمور لا يضم لاعباً دولياً واحداً.. لكن ما حدث بعد هذا كان مدهشاً، يتولى لاعب واحد هو المهاجم خليفة أسود وضع ثلاث كرات متتالية في شباك رعد حمودي، خلال (14) دقيقة فقط، صانعاً بذلك لنفسه اسماً جرى ذكره كثيراً في ما بعد، خصوصاً أن فريقه سجل بعد خمس دقائق فقط هدفاً لا غبار عليه ألغاه الحكم ذاري هاني بداعي التسلل لتذهب المباراة إلى وقت إضافي ثم يأتي الحسم بركلات الترجيح التي سجل فيها كركوك أربع إصابات، بينما أهدر ثامر يوسف ودوكلص عزيز ركلتين وخرج المنتخب غارقاً في الحزن الذي تحوّل إلى الجمهور أيضا وهو يشاهد كابوساً ثقيلاً عاشته توليفة كانت تضم رعد حمودي ودوكلص عزيز وفلاح حسن وعلي كاظم وحسين سعيد وأحمد صبحي وحسن فرحان وعادل خضير وضرغام الحيدري وإبراهيم علي. اكتملت فصول الإخفاق في المباراة اللاحقة التي خسرها المنتخب الوطني أمام منتخب الشباب بهدفين مقابل ثلاثة أهداف، وفاز الشباب بخماسية على كركوك، لكنه لم يكن قادراً على الوصول إلى اللقب، إذ خسر بهدفين من دون مقابل أمام منتخب بغداد الثاني الذي ضمّ نخبة أخرى من لاعبينا.. فتاح نصيف، عدنان جعفر، سليم ملاخ، هادي الجنابي، مهدي جاسم، رزاق خزعل، يحيى علوان وغيرهم. كانت كلمة المحافظات قوية وراسخة حين كان يلعب لها نجومها حبا وانتماء وعشقا للنجاح، بينما كان يجري توزيع خيرة مدربينا في ذلك الزمان بين هذه المنتخبات لكي يتولوا بحق رسم معالم النجاح واستقطاب المواهب، في تقليد لا أتصور أنه سيعود أو سنستعيده بعد أن تغيرت أولويات اللاعب، وتبدلت (أصول) اللعب ومفاهيمه وأهدافه.