التشريعات والقوانين الراعية للطفولة.. غياب غير مقبول

ريبورتاج 2023/08/17
...

  فجر محمد

لطالما تميّزت بلون عينيها العسليتين، وشعرها الأسود المائل الى الحمرة وابتسامتها التي لا تفارق وجهها، وملابسها المدرسيَّة المرتبة التي كانت تتميّز بها دائماً عن أقرانها في الصف حتى حل الظلام في أحد الأيام وخيّم على تلك العيون الباسمة، اذ امتلأت دمعا وحزنا. بدت نادية مصطفى متأثرة وهي تروي حكاية رفيقتها في المدرسة، التي افترقت عنها منذ أكثر من عشرين عاما ولكنها بقيت محفورة في ذاكرتها كما تقول.
لأنَّ قصة تلك الفتاة يشبه الى حد بعيد ما يحصل اليوم من عنف ممنهج ومدروس ضد الأطفال، تروي نادية الحكاية قائلة: "فقدت رفيقتنا والدتها في مرحلة الابتدائية ولم تعد كما عهدناها تلك الفتاة النشيطة المحبة للعلم والمعرفة، المتميزة بذوقها وترتيبها في الملابس إذ تحولت الى فتاة يلف الحزن ملامحها، ويسكن الوجع روحها لأنّها خسرت أقرب إنسانة الى قلبها (والدتها). ثم تزوّج بعدها والدها بحجة رعاية الأبناء، وحلت امرأة قاسية وأنانيّة عوضاً عن تلك الأم الحنون، إذ أجبرتها أن تتحمّل مسؤولية شقيقيها الصغيرين وتهتمُّ بهما وسط صمت الأب، وخذلانه لأولاده.
بحسب الناشطة والحقوقيَّة الدكتورة بشرى العبيدي، فإنَّ هناك أربعة أطفال من بين خمسة يتم التعامل معهم بالقسوة العنف، وهذا مؤشر لخضوع أكثر من ثلاثة أرباع الأطفال الى التعنيف بمختلف مستوياته، ومنهم من تعلن وفاته لاحقا من دون بيان الأسباب الحقيقيّة.
وفي دراسة أعدتها العبيدي بيّنت ان العنف هو فعل انساني، او سلوك يتسم بالاكراه والقوة والعدوانيّة يصدر عن طرف او جماعة او فرد او حتى دولة، ضد الطرف الاخر بهدف اخضاعه واستغلاله، وكل هذه القضايا من شأنها ان تؤثر في بنية المجتمع وتحدث خللا فيه.

غياب الحلول
لم تمر سوى مدة بسيطة على قضية الطفل موسى، التي هزت الرأي العام المحلي ومواقع التواصل الاجتماعي، واماطت اللثام عن الكثير من القضايا المسكوت عنها وأبرزها العنف ضد الطفل وغياب القانون الذي يحميه، ويؤمن مستقبله. ووفقا لاتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة فإنَّ لجميع الأطفال من دون تمييز للون او جنس، لديهم حقوق وعلى البالغين عندما يتخذون قراراتهم أن يراعوا تلك الفئة.
ولهذا قطع زعماء العالم عام 1989 عهداً على أنفسهم أن يحموا ويحافظوا على حقوق الطفل، ولكن هذا الأمر لم يتم بشكل كامل وشامل إذ ما زالت الطفولة مهددة بالعنف والاهمال والتهميش.
ويرى استاذ الإعلام في الجامعة المستنصرية الدكتورحيدر شهيد هاشم، أن العنف ضد الأطفال، بات ظاهرة مقلقة في مجتمع معروف بأغلبيته المسلمة، علما أن الدين الاسلامي من الأديان السماويّة التي تتصف بالإنسانيّة والرحمة في جميع تعاملاته وعلى مختلف الاصعدة، ولكن ما برز في الفترة الاخيرة من جرائم وسوء معاملة ضد الاطفال، اشر الى وجود خلل كبير في المنظومة الاخلاقية لبعض فئات المجتمع.

إهمال متعمّد
تشيح نادية بنظرها بعيداً، وكأنّها تحاول أن تستذكر شيئاً ما يمكث في دهاليز ذاكرتها اذ كانت تستعيد حكاية تلك الفتاة التي كانت تشاطرها مقعدها الدراسي، وكيف تحولت حياتها لاحقاً الى سلسلة من المعاناة والألم والتحديات التي لا يمكن ان تقوى على مواجهتها فتاة صغيرة، وتقول نادية: "بدأت تتغيّب صديقتي عن المدرسة واهملت واجباتها وامتحاناتها، ثم بدأ مستواها الدراسي يتراجع والاكثر من هذا اذا تمكنت من الحضور فلن تستطيع التركيز، لم تخبر أحداً بما تتعرّض له ولكن الجميع شعر بأنّها تعاني من التعنيف، لأنّها تأتي محمرة العين وتبدو ملامح الحزن واضحة على وجهها.
يُبيّن القاضي ناصر عمران الموسوي أن العنف الاسري، من أهم المشكلات الاجتماعية التي يتعرّض لها المجتمع اليوم، خصوصا وانه موجه ضد الطفل والمرأة تحديدا. فقد يمارس ربّ الاسرة او من يمتلك سلطة القرار العنف ضد أفراد أسرته، بموجب مبررات قانونيّة ومنها نص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، الذي يعطي الزوج حق تأديب زوجته وابنائه وهذا فسح المجال امام المتنفذين في الاسرة الى ممارسة العنف ضد الافراد.
ويؤكد الموسوي وجود جملة من التشريعات القانونيّة التي من شأنها حماية الطفولة، ولكنّها معطلة وتلاقي اعتراضا من قبل بعض الجهات في مجلس النواب، بحجج وذرائع مختلفة.

تعطيل القوانين
أبدت أم سلوان (55 عاما)، امتعاضها الشديد من غياب قانون يحمي الاسرة عموما والطفل بشكل خاص، وتقول أم سلوان: "من المعيب ان يعطل قانون العنف الاسري، الذي من شأنه ان يوقف تلك الحالات المشوّهة ضد الانسانية والطفولة على حد قولها".
أكدت العديد من منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني، رفضها الشديد لما يحصل من تعنيف ضد الطفل بحجة التربية والتعليم وترى الناشطة أروى كمال ان هذه الممارسات سوف تؤثر مستقبلا، على سلوكيات الطفل وتعامله مع
افراد مجتمعه وتصنع منه إما شخصية عدائيَّة او خاضعة ومسلوبة الإرادة.
وفي احصائية أعدت من قبل جهات حقوقيّة، تبين ان حالات العنف ضد الاطفال والنساء وكبار السن زادت بشكل كبير، ففي عام 2021 بلغت اكثر من 15 الف حالة عنف مسجلة ومن المتوقع انها قد تصاعدت الان، وعلى الرغم من وجود قانون منظم يهدف لحماية الطفل والاسرة من العنف، الا انه لم يلقَ قبولا من بعض الجهات في البرلمان.
وبحسب المختصّين ان اسباب رفض هذا القانون من قبل بعض الجهات، لانه يمنح الطفل الحق ليشتكي على أهله وذويه اذا ما تم تعنيفه، وهذا ما تعده جهات معينة أمرا سيتسبب بتفكك الاسرة وعدم قدرة الوالدين على تربية اولادهم. وهذا الامر مرفوض من قبل العديد من نشطاء حقوق الانسان، الذين يرون أن ضرب الطفل وتعذيبه وحرقه هي اساليب مرفوضة وليس من حق أي شخص كان ان يستخدمها ضد من هو عاجز عن حماية نفسه.

أساليب مختلفة
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإنَّ هناك أنواعا متنوعة من العنف تمارس ضد الطفل من بينها العنف البدني والنفسي، الذي يستخدمه الأبوان او من يقوم بتربية الطفل فضلا عن ممارسة مجموعة من السلوكيات العدوانيَّة ضده، من بينها التنمّر او الضرب الشديد.
ووفقاً للمنظمة فإنَّ العديد من الاطفال فقدوا حياتهم، نتيجة استخدام الأسلحة المختلفة او الادوات المختلفة منها السكين او المقص، وغيرها من الآلات الحادة.
ومن وجهة نظر استاذ الاعلام الدكتور حيدر شهيد هاشم، فان اسباب تفشي ظاهرة تعنيف الاطفال كثيرة، من بينها تردي الاوضاع الاقتصادية والضغوط النفسية التي تربك وتؤثر على فئات كثيرة في المجتمع، مسببة تفككاً أسريّاً يكون الاطفال ضحيته في أغلب الأحيان، فضلا عن قلة الوعي والثقافة الاسرية، وضعف الرقابة وعدم وجود اجراءات رادعة بحق المتجاوزين على حقوق الطفل، لذلك لا بدّ من تفعيل برامج التثقيف الاسري وفرض عقوبات رادعة بحق المخالفين، وتشريع قوانين جديدة تتلاءم وحجم التجاوزات ومنع تفشيها في المجتمع.