الشاعر نعمة آل سعيد الدغاري.. ايقونة القصيدة الحسينيَّة

ثقافة شعبية 2023/08/17
...

 راسم الاعسم

ولد الشاعر الحسيني نعمة آل سعيد طعمة الشمري في الدغارة عام 1919، وكان منذ صباه مواظبا على حضور المجالس والدواوين التي عرفت بها المدينة منذ أمد طويل ، كديوان آل الأعسم وآل مهاوش وآل حجي راضي وغيرها حيث تقام المجالس الحسينية خصوصا في شهر محرم الحرام من كل عام . وكانت هذه الدواوين تقوم مقام المدارس اليوم حيث تتداول فيها الأحاديث والقصص وتروى فيها أشعار العرب .عرف رحمه الله بحضوره الاجتماعي وأحاديثه الشيقة، على الرغم من أنه لم ينل مستوى تعليميا إلا أنّ ثقافته تميزت بكونها ثقافة  شعبية شفاهية، فكان يحفظ الكثير من الشعر لشعراء شعبيين اشتهروا بكتابة القصيدة التقليدية من أمثال الحاج زاير الدويج  والشاعر عباس الفتلاوي  ومله عبود الكرخي  وحسين قسام النجفي  وحيدر الحلي  الذي لايخفِي أعجابه به. وكثيرا ما كان يردد اشعاره بحق أهل البيت في مجالسه الخاصة، مما جعله محط تقدير واحترام من لدن الكثير من مجالسيه ، الذين أكبروا فيه ثقافته الاجتماعية وشغفه بالأدب الشعبي الذي وجد فيه خير وسيلة للتعبير عن مظلومية أهل البيت. كان يتداول أشعاره من قبل  نخبة من شعراء المدينة التقليديين من أمثال الشاعر الشعبي عبد سهلة الجنابي والشاعر بدر لطيف  الدغاري
وغيرهم.
لقد أبدع المرحوم نعمة آل سعيد الدغاري في كتابة القصيدة الحسينية  والتي تتناول واقعة الطف واستشهاد الإمام الحسين (ع) وأهله الابرار وصحبه الاخيار عليهم السلام جميعا ،على ثرى كربلاء في 61 هجرية ، هذه الواقعة التي احدثت هزة عميقة في الضمير الجمعي ، وبشرت بمفاهيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية فغدت نهجا قويما للثوار والمناضلين الأحرار على مر الايام والدهور.
ومن وحي هذه المأساة المروعة استمد الشاعر مضامين قصائده التي بدأت بالظهور إلى الملأ ويرددها الآخرون  حينما بدأ الرادود الحسيني المرحوم ناجي الاعسم النجفي بقراءتها من على المنبر الحسيني في شهر محرم الحرام  منذ أواخر الستينيات وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي  حينما بدأ النظام السابق بأيقاف وتحجيم الطقوس والمظاهر الحسينية والتشديد بمنع احيائها فيما بعد. لقد كان للشاعر  دور مهم بالمساهمة في التهيئة والاستعداد لأحياء هذه المراسم الحسينية في المدينة وإقامة واقعة الطف سنويا في العاشر من محرم  وكذلك المساهمة في تهيئة المواكب الذاهبة إلى كربلاء في الزيارة الاربعينية.
لقد كانت عائلة المرحوم ابا لطيف عائلة دينية محافظة و ملتزمة ، فكان لزوجته المرحومة دور كبير في احياء المجالس الحسينية النسائية وكذلك  المراسيم والطقوس الدينية التي تقام في المدينة في عاشوراء ولسنوات طويلة حيث حباها  الله صوتا شجيا مؤثرا في استدرار مشاعر الحزن والألم لدى المستمعين لها  من خلال  قصائد الندب والرثاء للمصاب الجلل في استشهاد ابي الاحرار الإمام الحسين ع وأهل بيته الاطهار عليهم السلام  واظهار قوة وشجاعة الإمام الحسين واخيه العباس عليهم السلام للتصدي لقوى الضلالة والكفر ، ومن قصائده الخالدة مقاطع منها :
لجل حسين فده العمر
بيوم الحشر بيده الامر
حسين ضحى بأمر من عد جده
بالنفس والعز  والرضيع العنده
مدري يعالج سهم البدلاله
مدري يصد عينه ويشوف عياله
لن زينب تنادي وعينها هماله
هجمت علينه يحسين خيل الكَفر
وفي احدى زيارات الاربعين في اواسط السبعينيات لاحياء هذه المناسبة في كربلاء، كتب المرحوم احدى القصائد الشعرية المطولة والتي تقع في أكثر من مئة بيت شعري مثلت قراءة واعية ومتبصرة لفاجعة الطف الخالدة مجسدة  المعاني والقيم الانسانية التي فجرتها الثورة الحسينية وكانت هذه القصيدة تفصح بحق عن المستوى الإبداعي الذي انجزه الشاعر رحمه الله، حيث حفلت بالجمل والدلالات والمعاني البليغة المؤطرة بالصور الشعرية المؤثرة من فرط ما تتضمنه من احاسيس ومشاعر تراجيدية رغم انها حافظت على النهج التقليدي للقصيدة الحسينية المعروفة والتي تقترب من مناخات الشعراء الحسينيين من امثال الشاعر كاظم منذور كربلائي والشاعر عبد الحسين ابو شبع وغيرهم وعباس الفتلاوي وغيرهم.
وهذه مقاطع من هذه القصيدة التي رددتها حنجرة الرادود الحسيني المرحوم ناجي الاعسم في  شهر محرم  في السبعينيات  في صحن الإمام الحسين (ع) في كربلاء:
اليوم زينب وابن اخوها بكربله
تريد تنصب اربعين اهل العله
تنصب الماتم عله البلطف ذبيح
من المصاب الصابه تمشي وتطيح
بالطفوف اتشوف  أهلهه مجتله
امجتله الشبان واطفال وكهول
 وامر بن زياد بظهور الخيول
 ادوس صدر حسين بالطف وتجول
 هسه سادات العرب واهل المجد
 ولوله همه الكون ما جان انوجد
 ولا انخلك ادم عله الارض وعبد    
ولا دحه الارض وسملها ابناهله
  احنه دغاره يبن داحي الباب
اعتنينه نواسي زينب بالمصاب
تنصب المآتم على ارواح الاطياب
كل سنه نعود ونجدد محفله
كتب الشاعر فضلا عن القصيدة الحسينية الكثير من القصائد الوطنية والسياسية والاجتماعية اضافة إلى الهوسات والمواويل  والابوذيات التي دللت على مقدرته على كتابة مختلف الانماط الشعرية.
وفي عام 1967 واثناء الاعتداء الاسرائيلي على الأمة العربية واحتلالها لأجزاء من سوريا ومصر  والاردن، كتب الشاعر قصيدة تعبوية تحريضية تغنت بحب الوطن والدفاع عنه مهما غلت التضحيات وقد حملت القصيدة عنوانا ( جود يبن العرب جود ) طفحت بالمشاعر والاحاسيس الوطنية المتأججة وجاء في بعض أبياتها:
                    جود يبن العرب جود
                     واصل جهادك واصله
                     وانصر الاسلام واهله
                    يبن العرب جود
      والعصابات  اللقيطة يظل متوسع مداها
      نست يوم اللي بطلنه حاصر الباب ودحاها
     ونست تكبيرته المرحب غده اطرش من صداها
              ونريد يوم نجدده
                جيش وشعب متعاضده
                وهاي المواقف شاهده
ومما يؤسف له أن الكثير من  شعره قد فقد.
توفي الشاعر أواخر عام 1981 تاركا تراثا شعريا متفرقا نأمل أن يبادر ذوو الشاعر إلى جمعه وطبعه ليتسنى الحفاظ عليه من الضياع والفقد وليتاح للأجيال اللاحقة
الاطلاع عليه.