ما الذي نريده من الستراتيجيات؟

اقتصادية 2023/08/19
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي

لَيس من مهام الحكومة (أي حكومة) توفير الخدمات للناس وحسب، إنما ينبغي عليها التأكد من توفر هذه الخدمات بالمستوى اللائق الذي من شأنه تحقيق الحياة الكريمة للناس، ولمّا كان تحقيق هذه المهمة ليس بالأمر السهل، ما قد يُعرض جهود الحكومة الى الإخفاق، أو الفشل، وبالتالي حدوث حالة من الاستياء التي قد تتطور الى احتجاجات، تؤدي الى إرباك المشهد برمته، فاحتمال التحول الى الفوضى سيكون واردا، في ضوء مثل هذه التداعيات.
ولكي لا يحدث  مثل هذا الأمر، فإن الحكومات تحرص كثيرا على وضع الخطط والستراتيجيات التي من شأنها رسم المسارات، وصولا لتحقيق المستوى اللائق من الخدمات، وعندما نتحدث عن مثل هذه الستراتيجيات، فإن الامر ينسحب الى مفاصل وقطاعات التنمية كافة، إذ إن الخدمات لا تقتصر على الماء والكهرباء مثلا ، وإن كانت هاتان الخدمتان تمثلان مرتكزا تنمويا مهما، إنما الحديث ينسحب الى قطاعات كثيرة ومتعددة، منها -على سبيل المثال لا الحصر-، السكن والنقل والصحة والتعليم، والزراعة والصناعة، وجميع هذه القطاعات ربما تنحصر في ثلاثة  أنشطة  أساسية هي التي تسهم بمساحة واسعة في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، هي الأنشطة السلعية والتوزيعية والخدمية، وحديث مثل هذا يقودنا الى الاشارة نحو واقع حال الستراتيجيات والخطط التي جرى إعدادها خلال السنوات الماضية، في مختلف المجالات، وما هي النتائج التي تمخضت عنها، وهل أسهمت في تغيير الواقع؟ وفي مورد الإجابة تجدر الإشارة الى ان الهدف الأساس من تلكم الستراتيجيات هو تحسين مستوى حياة الانسان، عبر تلبية متطلبات العيش التي أشرنا إليها، وهذا يستدعي بناء اقتصاد متين  من خلال التنوع والقدرة على المنافسة، وأن يكون القطاع العام من القوة ، قادرا  على إدارة وقيادة المركبة، بدعم ومساعدة من نظيره والمساند القوي له "القطاع الخاص"، ومن المؤكد ونحن نتحدث عن ستراتيجيات بعيدة المدى، فإن واقع الحال يقتضي الأخذ بنظر الاعتبار شرائح المجتمع كافة، ومن الشرائح ذات الحاجة الى الرعاية بنحو مباشر أو غير مباشر، مع التأكيد على أنْ لا تكرس أي واحدة من هذه الستراتيجيات حالة الاتكالية المفرطة لدى الفرد، لأن أمرا مثل هذا سيحول الدولة الى دولة ريعية بالكامل، تجعل كل امكاناتها موجهة نحو دعم الأفراد، من دون أن تكون لهم مساهمات في عملية التنمية، وهذا سينعكس سلبا على الجانب الآخر، حيث لن تكون الحكومة قادرة على توجيه الدعم  الى القطاعات الاخرى ما يؤدي الى حدوث خلل واضح في مستوى الخدمات المقدمة للناس، ومثل هذه الصورة قد نلمسها في واقعنا العراقي، فعلى الرغم من الإيرادات غير القليلة التي تأتي الى خزينة الدولة من مبيعات النفط، إلا أن حال التنمية في البلاد مازال دون مستوى الطموح، نتيجة توجيه المساحة الأعظم من هذه الإيرادات نحو الاستهلاك، ولم تحظ التنمية إلا بالنزر اليسير من التخصيصات المالية، في حين كان ينبغي ان يكون العكس، لذلك نجد الشكوى والتبرم كبيرة من قبل الناس حول تردي الخدمات.