الفوضى تَعمُّ سوقَ العملِ وتُبدِّدُ جهودَ النهوض بالقطاع الخاص
سجى رياض/ غفران مازن
مشاريع ورؤوس أموال وجهود وخبرات، تبحث عن أسباب النجاح في ظل الفوضى التي تعمُّ سوق العمل. هكذا يصف (عماد زاهي) واقع حال القطاع الخاص في العراق.
مسترسلاً بالحديث، لا قوانين تشجّع على القطاع الخاص وتنظم سوق العمل المثقل بالمشكلات، ولا قوانين تضمن حقوق العامل، ناهيك عن ظروف العمل والظروف الاقتصادية التي يعيشها البلد من غلاء الأسعار وتكاليف العيش.
ويقول (عماد)، إنه افتتح مشروعاً صغيراً عبارة عن متجر صغير لبيع وصيانة أجهزة الموبايل، إلّا انّه لم يكتب له النجاح، فالإيرادات التي يحققها لا تكاد تغطي متطلبات الحياة والمعيشة له ولأسرته المكونة من زوجة وطفلين، وهذا السبب دفعه - والكلام للمتحدث- للبحث عن فرصة عمل في القطاع الحكومي.
وبحسب تقديرات وزارة التخطيط، فإنَّ عدد الموظفين يتجاوز (3.5) مليون موظف في الوزارات ومؤسسات الدولة، عدا إقليم كردستان.
ويشهد القطاع الحكومي، المثقل بالوظائف، إقبالاً كبيراً من قبل الشباب، في ظل تراجع نشاط القطاع الخاص، وافتقاره الى الدعم، ويشمل الإقبال على الوظائف أيضاً، الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي يتجاوز تعداد أفرادها المليون منتسب.
عسكرة المجتمع
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الستراتيجي أحمد الشريفي: إنَّ "عدم وجود فرص عمل في القطاع الخاص، تؤمن حياة كريمة للشباب يدفع الكثير منهم للبحث عن فرص التطوع في صفوف الأجهزة الأمنية والعسكرية، بحيث أدى ذلك الى عسكرة المجتمع".
وأضاف في حديثه لـ (الصباح)، أن "الظروف الأمنية التي رافقت أحداث التغيير عام 2003، وما تلاها من تهديدات إرهابيّة، أوجدت الحاجة الى قوات قتاليّة لفرض الأمن وتحقيق الاستقرار، لا سيما أحداث داعش الإرهابي، إلّا أنّ الحاجة الآن تكون قد انتفت الى هذه الوفرة العدديّة في القوات الأمنية والعكسرية، وهذا يجب ان يكون دافعاً لتفعيل القطاع الخاص، والإفادة من هذه الطاقات الشبابيّة في عمليات الاعمار والبناء، وكذلك توفير الحماية الأمنية للشركات الاستثماريّة، العاملة في العراق، وبذلك يمكن ان تتحول هذه الإمكانيات البشريّة من طاقات قتاليّة الى طاقة إنتاجيّة.
وشدّد الشريفي على أنّ الحديث عن تفعيل القطاع الخاص، يرتبط بشكل النظام الاقتصادي في العراق، الذي يفترض ان يكون ضمن الأطر الديمقراطيّة، هو اقتصاد السوق، والذي يجب ان يشتغل بمبدأ "دعه يعمل دعه يمر" أي عدم فرض أيّ قيود على القطاع الخاص، كونه يجب ان يمثل محرّك العجلة الاقتصادية في البلد، بمساندة القطاع العام، وليس العكس.
قوانين وتشريعات
ضعف القوانين أحد أسباب تراجع القطاع الخاص، هكذا يرى الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، موضحاً في حديثه لـ (الصباح) أن هناك مشكلة كبيرة في القوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق العاملين في القطاع الخاص، الأمر الذي يضعف الثقة بالسوق العراقيّة.
وبشأن قانون الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة، يقول التميمي إنَّ أغلب تفاصيل الإصلاح يشمل مؤسسات الدولة، ورغم أهمية ذلك إلّا أنّ هذا الإجراء يعد قاصراً ولا يقدم ورقة إصلاح كاملة، كونه يكتب بعقليّة الموظف الحكومي، وليس عقليّة المستثمر والعامل بالقطاع الخاص.
ويشدّد الخبير الاقتصادي نبيل التميمي، على اهمية أن تقوم الجهات المعنية في الدولة، بتوفير أسباب نجاح القطاع الخاص، من خلال ايجاد البيئة القانونيّة وظروف الاستثمار الملائمة.
السلطة التشريعيَّة
لجنة العمل في مجلس النواب، وعلى لسان النائب حسين عرب، أكدت، أن المجلس أقرَّ عدداً من القوانين لدعم القطاع الخاص التي تتلاءم مع البنية الأساسية للسوق، بعد أن قامت اللجنة بإجراء دراسة مستفيضة لسوق العمل العراقيّة، ومنها قانون الضمان الاجتماعي والتقاعد للقطاع الخاص، والقوانين الخاصة بدعم المشاريع الصغيرة.
وأضاف أنَّ في نيّة اللجنة أيضاً إجراء تعديل على قانون العمل النافذ بما يسهم في دعم القطاع الخاص وتفعيل دوره في المرحلة المقبلة.
وأكد عرب، أنَّ هذه القوانين بمجملها ستخفّف الضغط على القطاع الحكومي، وتزيد من إقبال الشباب على العمل في القطاع الخاص، كما أنها ستضع حدّاً للفوضى التي تعمُّ سوق العمل.
وبيَّنَ عضو لجنة العمل، ان التوجه العام للدولة يقضي خلال المرحلة المقبلة بتنظيم السوق العراقية، وتحويل العمل غير المنظم الى منظم، بما يجعل هذه التشريعات مظلّة حقيقيّة لربِّ العمل والعامل والمواطن والشركات على حدٍّ سواء.
كما أنَّ اللجنة تسعى الى دعم العاملين في القطاع الخاص، من خلال إيجاد قوانين المنظمات الرقابيّة واتحاد العمال والنقابات، خلال السنة التشريعيّة الحالية، وفقا للنائب حسين عرب.
الانفلات التجاري
المنهاج الوزاري لحكومة محمد شياع السوداني، أولى القطاع الخاص اهتماماً كبيراً، لا سيما في مسألة توفير فرص العمل ومكافحة البطالة.
وتضمن المنهاج الوزاري في عددٍ من فقراته إعادة النظر في قطاع الاستثمار، ومنح قروض للمشاريع الصغيرة المدرّة للدخل، وتفعيل قانون حماية المنتج فضلا عن تشريع قانون التقاعد والضمان للعاملين في القطاع الخاص من أجل ضمان حقوقهم.
المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، أشار لـ (الصباح) الى ان ارتفاع نسبة البطالة في العراق خلال السنوات الأخيرة، يعود الى الخلل في هيكليّة الاقتصاد، وما يمكن ان يطلق عليه الانفلات التجاري وحرية الاستيراد، فضلا عن الاعتماد بشكل كبير على إيرادات تصدير النفط.
وأكد أن الدولة شخّصت هذا الخلل، وما يمكن أن يشكله من خطر القضاء على الصناعات الصغيرة والحرفيّة أو ما يُسمّى بالنشاط الأصغر، الذي عادةً ما يشكل نسبة 60 بالمئة من القوى العاملة.
كما أشار صالح الى أن المهن الرقميَّة، والتطور التكنولوجي أسهما في اندثار العديد من المهن التقليديّة، ومن ثمَّ تسببا بارتفاع نسبة البطالة وتراجع نشاط القطاع الخاص.
أمل
وأكد مستشار رئيس مجلس الوزراء، أنَّ قانون الضمان الاجتماعي والتقاعد للعاملين في القطاع الخاص، الذي صوَّت عليه مجلس النواب، يمثل أولى خطوات الحكومة في طريق الإصلاح الاقتصادي.
كما أنَّ المنهاج الوزاري للحكومة -والحديث للمستشار- يضمُّ اشكالاً متنوعة من صناديق التنمية التي من شأنها الاسهام في تطوير القطاع الخاص، ومنها صندوق التنمية الموجّه للمحافظات والذي يعمل على تمويل الشباب الذين يمتلكون مشاريع صغيرة ومتوسطة، مؤكداً أنَّ هذا المشروع سيؤدي الى خلق تمويل لتلك النشاطات لا سيما في المحافظات التي تعاني من نسبة فقر عالية.
وأوضح أنَّ فلسفة الدولة تتضمن تعزيز تلك الصناديق برافعة تمويليَّة من أجل تنشيط الاقتصاد وتحريره من الركود.
وأضاف صالح "كما أنَّ هناك صندوق الضمان الاجتماعي والقطاع الخاص في طور التشريع، وسيضمن شمول جميع العاملين في القطاع الخاص بالتقاعد والضمان الاجتماعي، على غِرار صندوق التقاعد الخاص بالموظفين الحكوميين"، مؤكداً أنَّ هذا المشروع سوف يسهم في تقليل الزخم والاقبال على الوظائف العامة، فضلا عن أنَّه يسهم في تفعيل النشاط الاقتصادي.
قانون الإصلاح الاقتصادي
ومن أجل ضمان الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، تسعى الحكومة الى اصدار قانون الإصلاح الاقتصادي.
وأكد المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، أنَّ هذا القانون في حال إنجازه سيحقق التنمية الاقتصاديّة بالافادة من الوفرة الماليّة خارج اطار الدولة، والتي يمكن استثمارها في إقامة مشاريع استثماريّة تستوعب الكثير من الأيدي العاملة.