المستقبل إذا تخدر

منصة 2023/08/21
...

  سارة طالب السهيل


في عصر انتشرت فيه أنواع الرذائل المختلفة، يدفعنا هذا الوضع للتساؤل عن أسباب كثرة الجرائم والقتل والسلوكيات غير الأخلاقية، بل وغير المنطقية، وعندما نبحث عن هذه الأسباب، سنفاجأ باتساعها وتعددها، فكل يوم نسمع عن أم قتلت ابنتها، أو رجل قتل زوجته، وشاب قتل زميلته في الجامعة، أو مراهق ذبح أمه.. وغير ذلك من أخبار لم تكن متداولة في السابق إلى هذا الحد، بل كانت نادرة وشبه معدومة. ولكن عند البحث نكتشف أنه برغم من تنوع أسباب الجريمة وتغير سلوكيات المجتمع، إلا أن هناك عاملا مهما لا نستطيع التغافل عنه أبدا، ألا وهو التعاطي أو الإدمان .

وكما نعلم أن انواع المخدرات كثيرة جدا وتأتي بأشكال مختلفة منها (حبوب وشم وسائل وابر) وتصل حتى لأنواع الموسيقى وحبوب الهلوسة والكريستال وغيرها من مخدرات الكترونية، ولكن رغم كل شيء لنتفق على أن نسمي جميعها مخدرات.
 فقضية الإدمان والمخدرات تعتبر قضية حيوية ومهمة، وخاصة عند النظر إليها من زاوية المستقبل، وإن لم يتم القضاء عليها ومحاربتها، فبالتأكيد هناك  سيناريو متوقع الحصول في أي بلد على كوكب الأرض في ما لو تفشت المخدرات وانتشرت بشكل أكبر وأكثر.. فما هو يا ترى؟
إذا انتشرت المخدرات في المجتمع، فإن الآثار السلبية ستكون واضحة ومدمرة على جوانب مختلفة في الحياة اليومية الخاصة والعامة، بدءًا من الصحة العامة للمواطنين، الأفراد والجماعات والأمن القومي والوطني والأمن الشخصي والسلامة العامة، وصولاً إلى الاقتصاد والتنمية الاجتماعية.
فتأثير المخدرات على الصحة العامة أمر لا يحتاج لنقاش، فعند انتشار الادمان ستشهد الأمراض المرتبطة بالمخدرات والإدمان زيادة في التفشي بشكل موازٍ، مما يؤدي إلى تزايد الأعباء على النظام الصحي وسيكون اغلبها أمراض مزمنة ومشكلات نفسية وعصبية والاضطرابات العقلية، فضلاً عن مشكلات سوء التغذية وضعف السمع والنظر والعقم.
اما على صعيد  الأمن وانتشار الجريمة، فمن المؤكد ستكون هناك زيادة في مستويات الجريمة والعنف والقتل والعنف الأسري واستخدام السلاح والادوات الحادة، وسترتفع معدلات السرقة والتهريب والخارجين عن القانون والمخربين والمهددين للأمن السياسي والاستقرار والتجارة غير القانونية، وكل هذا  ما هو إلا فوضى وزيادة حوادث وجرائم وصراعات فيما بين الافراد والمجتمع والحكومة والاجهزة الأمنية نتيجة تزايد نشاط الجريمة المنظمة المرتبطة بتجارة المخدرات وشبكات تهريبها بوصفها تجارة غير قانونية قد تتسبب في تفاعلات عنيفة مع السلطات، وهو ما يزيد أيضا من الصراع بين المدمنين والعصابات المتنافسة، مما يؤثر في الأمان العام ويزيد من التوتر والقلق بين الناس.
كما أن المخدرات ستحدث تراجعًا كبيرا في مجالات التعليم والتقدم على الصعيد العقلي والفكري، لأنها حتما تؤثر  سلبًا في القدرات العقلية والجسدية للأفراد، مما يؤثر في تحصيلهم العلمي وقدراتهم العملية في الدراسة والمهنة والوظيفة وفرص التوظيف، فيتأثر أداء الطلاب والعاملين بشكل سلبي، مما يقلل من إنتاجية المجتمع ويقيد فرص التطور والتقدم الاقتصادي والفكري والثقافي.
ومن الناحية الاقتصادية بشكل كبير والتنمية الاجتماعية أيضا قد يرفع الإدمان من التكاليف الصحية والعلاجية، ويقلل من الإنتاجية العامة للعمالة، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة وتدهور البنية التحتية ودمار المشاريع التنموية، الأمر الذي يعوق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فالمدمن ليس "صاحي" ولا يعي واجباته.
وهو بالتالي غير مسؤول، بل وغير منتج، وسترتفع تكاليف العلاج والإصلاحات الاجتماعية وتشكل عبئا ثقيلاً على الافراد والدولة.
المدمن أيضاً، لا يمكن أن يكون من ضمن أسرة طبيعية، فهو أما ينعزل ويفضل الابتعاد عنهم، بل وقد يهملهم ويعيش أما في منزل مستقل أو في مستشفى علاجي إذا كان يتلقى العلاج، أما إن بقي بين أفراد أسرته سواء كان أعزب أو متزوجا سيكون عبئا عليهم، كما أنه سيكون فردا صعب المراس متقلب المزاج يتعامل بعنف ولا يمكن من القيام بدوره في المنزل ولا بمسؤولياته، فانتشار المخدرات والإدمان له تأثير كارثي على الحياة الاجتماعية
والأسرية.
وقد تتفكك الأسر وتتدهور العلاقات الاجتماعية نتيجة تأثير المخدرات على السلوك والصحة العقلية للأفراد، وينخفض مستوى الثقة والتعاون في المجتمع والعلاقات العامة وتبادل الواجبات وتفكك الأسر وتدهور العلاقات الاجتماعية، مما يؤثر في القيم والمبادئ الأساسية للمجتمع ونواة الأسرة وبذرة المجتمع.
زيادة في حالات الإدمان تعني زيادة في الطلب على العلاج والدعم للمدمنين وأسرهم، مما يكبد الدولة خسائر مادية ومعنوية وجهدا ووقتا وتعبا، كان من الممكن ان يستثمر في اي مشروع تنموي يفيد المجتمع، حتى في حالات الوفاة نتيجة لتعاطي المخدرات، سواء بسبب جرعات زائدة أو تأثيرات جانبية خطيرة للمخدرات.
هذا يؤثر في الأسر والمجتمع بشكل عام ويزيد من العبء على الخدمات الصحية والطوارئ، ويسبب متاعب نفسية وأسرية لذوي المدمن لشعورهم بالتقصير أو الذنب.
إن تدهور البنية التحتية والخدمات العامة قد يؤدي انتشار التعاطي إلى تدهور البنية التحتية والخدمات العامة.
ويمكن أيضاً أن يؤثر في قطاعات مثل التعليم والرعاية الصحية والنقل والبنية التحتية بشكل سلبي، بسبب تحويل الموارد والجهود لمكافحة المخدرات وتقديم الدعم للمدمنين.
كما أن التنمية الاجتماعية والبشرية تتأثر بشكل مباشر مع استمرار ازمة الإدمان، وبالتالي سينخفض مستوى التعليم والتدريب، مما يقلل فرص التطور وتقدم المجتمع..
إذا انتهينا من تصور المستقبل مع الادمان وشعرنا بالإحباط، فأول ما يجب أن نفكر به، هو الوقاية خير من العلاج أو بالأحرى العلاج في بداية المرض، فهذا الأمر أفضل بكثير من العلاج وقت استفحاله وانتشاره.
ومن هنا يجب علينا جميعا التصدي لهذه الظاهرة الباطلة عن طريق التوعية والتثقيف، من خلال تعزيز الوعي بالمخاطر الصحية والاجتماعية لتعاطي المخدرات في المدارس والجامعات والجوامع والمكتبات ودور الثقافة ووسائل الاعلام المختلفة وتوفير المعلومات الدقيقة، حول تأثيراتها الضارة وعرض التجارب والمشكلات والنتائج لمثل هذه الحالات، حتى يتمكن الناس من اتخاذ قرارات أفضل وأكثر وعيًا بعيدا عن الادمان.
كما يجب سن القوانين والانظمة والتشريعات والسياسات، التي تمنع وتكافح المخدرات بأنواعها فالإطار التشريعي يلعب دورًا حاسمًا في مكافحة المخدرات كرادع يخيف التاجر والمتعاطي من الاستمرار في هذا الطريق.
وتشدد العقوبات على المروجين والمهربين، وتوفر برامج العلاج والإنقاذ للمدمنين.
من المهم أن يتم توجيه الجهود نحو التوازن بين القمع والعلاج، وتقديم الدعم للأفراد، الذين يعانون من إدمان المخدرات وتوفير العلاج الجسدي والنفسي، حتى الشفاء التام والمراقبة لمدة غير بسيطة خشية ضعف المريض وعودته إلى تعاطي المخدرات، وخاصة في ظل اجواء بيئية تدفع نحو الادمان وتساعد على التعاطي والانحراف، بما ذلك اصحاب السوء ورفاق التعاطي والتجار واصحاب المصالح.
كما يمكننا استخدام التكنولوجيا والابتكار في مكافحة المخدرات في المستقبل.
على سبيل المثال، يمكن تطوير تقنيات جديدة لاكتشاف واحتجاز المخدرات في المطارات والموانئ، وتطبيقات الهواتف الذكية لتقديم المعلومات والدعم للأشخاص، الذين يحاولون الاقلاع عن المخدرات، وتطوير تطبيقات الهواتف الذكية لتتبع ومراقبة تناول المخدرات وتقديم نصائح وإرشادات للمستخدمين.
إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام التكنولوجيا في تحليل البيانات والاستخبارات للتعرف على أنماط استخدام المخدرات وتوجيه الجهود والموارد بشكل أكثر فعالية.
ويحتاج هذا الأمر عامة ومكافحة المخدرات بشكل خاص لتعاون دولي، كونها قضية عالمية، فيجب تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول في مجال مكافحة المخدرات، من خلال تبادل المعلومات والخبرات والأفضليات والتعاون في تعزيز القدرات وتدريب الكوادر العاملة في هذا المجال.
ولا ننسى البحث العلمي للوصول إلى المشكلة وتأثيراتها، وتطوير أساليب جديدة لعلاج الإدمان والتعافي.
يمكن أن يسهم البحث في تحسين البرامج العلاجية وتطوير أدوية فعالة للحد من الرغبة في تعاطي المخدرات.
من المهم أن نتذكر أن مكافحة المخدرات تتطلب جهودًا متعددة المستويات، بدءًا من التوعية الشاملة والتثقيف، وصولاً إلى السياسات الفعالة والتشريعات القوية، والتعاون الدولي والابتكار التكنولوجي، والتركيز على البحث العلمي.
من خلال هذه الجهود المتكاملة، يمكن أن نأمل في مستقبل أفضل وأكثر خلو من المخدرات.