معاهدُ الفنونِ الجميلة.. واحةٌ واعدةٌ لصناعةِ الجمال

ريبورتاج 2023/08/24
...

  رحيم رزاق الجبوري

     تمر على كل المجتمعات أوقات ذهبية، لا سيما حينما يبزغُ فيها الفكر والمعرفة والثقافة، وتصلُ لمديات مؤثرة، ما يتيح انضاج أي مشروع ينفذ على أرض الواقع. وهذا ما حصل حينما بلغت النهضة الفنية والثقافية والمعرفية ذروتها في مجتمعنا العراقي، ووصلتْ لأوج عطاءاتها، فكان لا بُد من استغلال هذا العامل المُهم، وتنميته.

وهذا ما فعله المسؤولون - وقتذاك- وفي طليعتهم، ساطع الحصري 

(1879-1968) مدير التربية والتعليم في وزارة المعارف العراقية)، الذي ارتأى فتح معهد فني، من أجل تنشئة جيل مثقف وواع، يسهم في إشاعة الفنون الجميلة وصنوفها في ربوع الوطن. إذ افتتح المعهد أبوابه في أوائل كانون الثاني عام 1936، باسم "المعهد الموسيقي العراقي" مُقتصرًا على الموسيقى فقط، ومدته سبع سنوات. وفي عام 1940، تغير اسمه إلى (معهد الفنون الجميلة)، وبدأ بتدريس الطلاب في أوائل نيسان من العام نفسه، ولغاية يومنا هذا. 


المعهد الأُم

يفتخرُ د. علي حيدر، مدير معهد الفنون الجميلة/المسائي المختلط، ببغداد/الكرخ1، بأداء ومخرجات معهده، عاده الأول على مستوى العراق. كيف لا، وهو الذي أُسسَ في سنة 1936، ووُضِعَ حجر الأساس لبنايته الحالية، التي تقع مقابل متنزه الزوراء، في سنة 1971. إذ يقول: "من وجهة نظري، هناك تقدمٌ إيجابي في ما يخص الخطة الدراسية التي أُقِرَتْ مُؤخرًا، والتي اعتمدت بنسبة

 60 % على الجانب التطبيقي(العملي)، وهو المطلوب لدينا، ليكون الطالب على دراية تامة، ما يجعله متميزًا في اختصاصه الدقيق. كما نشكو من نقص في الأجهزة، والمعدات، والمواد الفنية الأولية".


معهد فتي

يقول مدير معهد الفنون الجميلة للبنين/السيدية، أ.م عمار الخفاجي: "أُسس معهدنا في عام 2021 بثلاثة أقسام: التشكيل، والموسيقى، والخط العربي والزخرفة. وهذا العام استحدثنا قسم السمعية والمرئية. لكننا نعاني من البناية، التي لا تتناسبُ مع مهام المعهد واحتياجاته، لخلوها من المسرح، والقاعات. وقد ناشدنا المسؤولين، ووعدونا خيرًا. كما نحتاج إلى ملاكات موسيقية تخصصية لرفد المعهد، الذي يعملُ بما متوفر". 


حب الفن غايته

زرناه في مشغله، وهو يضعُ التفاصيل الأخيرة على لوحته، منغمساً في توزيع الألوان بدقة. يتركُ فرشاته جانبًا، ليحدثنا عن تجربته التدريسية في معهد الفنون الجميلة/ السيدية، إذ يقولُ عماد قاسم: إن ما يدفعني لبذل أقصى مجهوداتي مع طلبتي، هو حبي الكبير لنشر الفن واتساع رقعة ذائقته، كما تبهرني رؤية الألوان وهي تغطي المساحات الرمادية والمُعتمة التي طغتْ على المشهد البائس. وعليه فهذه هي الوظيفة الحقيقية لصناع الفن. فالعمل مع الطلبة الموهوبين والشغوفين بتعلم الفنون، هو شعور لا يوصف، ومن أجمل ما يكون، بغض النظر عن المعرقلات الكثيرة، في عمل المؤسسات، وقلة الدعم. وبالرغم من ذلك فقد نظمنا مهرجانات وكرنفالات فنية لاقت الإشادة والثناء وحققتْ صدى واسعًا".


التطبيق العملي

لم يختلف كثيرًا علي جاسم، مدرس مادة الموسيقى، والإنشاد في معهد الفنون الجميلة للبنات/ المحمودية، الذي تأسسَ في سنة 2021، عن أقرانه من حيث قلة الدعم، إذ يقول: "بالرغم من كل العقبات، يعتبرُ عملنا جيدًا جدًا. بفضل تفاني وحرص الأساتذة الفنانين. وحال توفر المتطلبات الضرورية، سيكون مُمتازًا".  وأضاف: "أتمنى أن يتم التركيز على المواد العملية، كالعزف، والغناء الجماعي، وتوفير أجهزة صوتية، وآلات موسيقية للتدريب، وبناء قاعة ومسرح، وإنشاء استوديو فني".


تجربةٌ تستحق الإشادة

مصطفى الجميلي، أستاذ مادة الرسم في معهد الفنون الجميلة للبنين/ الفلوجة، الذي أُسسَ في سنة 2013، يشعرُ بالفرح، وهو يشاهدُ إقبال الطلاب على دراسة الفنون، ومغادرة النظرة المُتحفظة والقاصرة التي كانت سائدة، إذ يقول: "أفتتِحَ معهدنا، بواقع ثلاثة أقسام،هي: الخط العربي والزخرفة، والتشكيل، والسمعية والمرئية. والإقبال في تزايد، ما شجعنا على فتح معهد فنون خاص للبنات، ولأول مرة في الفلوجة، كما نسعى إلى فتح قسمين (موسيقى، ومسرح)". 


إطار أكاديمي

يقول نور قاسم، مدرس في معهد الفنون الجميلة، الرصافة 1/ المسائي، الذي أُسسَ في سنة 2004: "إن المعهد، يعمل وفق إطار أكاديمي، ومنهجي. ويحتوي على (6) أقسام بتفرعات تخصصية، وبإشراف أساتذة مُختصين، من حملة الشهادات العُليا، ولديهم تجارب عملية مُهمة في ميادين الفن". وأشار إلى افتقار غالبية المعاهد للقاعات، والمسارح، والاستوديوهات العازلة للصوت، وصالات العرض الأكاديمية.


ملاكات متخصصة

تشيرُ م.م ساجدة رمضان - اختصاص تربية فنية، مديرة معهد الفنون الجميلة للبنات/المحمودية، إلى "أن المعاهد تحتاج إلى تحديث، وذلك لمواكبة التطورات التكنولوجية، لكي ترتقي بعملها. إضافة إلى تدريسيين مؤهلين ومتخصصين. كما نعاني من عدم توفر المستلزمات، والمواد، والخامات الضرورية الخاصة بالتعلم".


ضبابيَّة

يذكرُ حليم قاسم، أستاذ الحفر، والطباعة (گرافيك)، في معهد الفنون الجميلة للبنات/الصباحي/المنصور، جملة من القضايا التي تواجه عمله، واصفًا (مشكلة دراسة الفن وتدريسه)، بأنها واضحة وضوح الشمس للبعض، وضبابية حد العتمة للبعض الآخر؟ إذ يقولُ: "يعملُ معهدنا ضمن الضوابط، لكنها لا تتناسب وواقع الدراسة؟ لاحتوائها على أخطاء، حتى صارت عديمة النفع، وأضرارها باتت تؤثرُ في مسيرة الطالب الفنية، وأتمنى إعادة النظر فيها". 


ضياعُ الهدف

ويضيفُ: "تعيشُ المعاهد، حالة من الضياع في تحديد الهدف والهوية؟ هل هي معاهد للفنون، تسهمُ في توفير مناخ ملائم لتدريب الفنانين، على غرار معاهد ومراكز الفنون في العالم مثل (البوزار)، و(أكاديمية برشلونة)، أم هي معاهد لإعداد وتدريب معلمي التربية الفنية في المدارس الابتدائية؟ علمًا أن مدرسي العملي، ما زالوا يدرسون أساليب أساتذتهم في كُلية الفنون، والتي لم تَعد تلائم متغيرات الحاضر، وتشبه إلى حد كبير، طرق تعلم الحرفيين؟ وهناك أخطاء تمارسُ اليوم،  كالإقبال على فتح عدد كبير من المعاهد؟ بدون توفر إمكانيات حقيقية، كالبنايات المناسبة وغيرها. وهذه الكمية، ستخلقُ المزيد من الخريجين، عديمي الكفاءة، وهو ضرر حقيقي؟ فالفن هو مسالة أكبر من أنه معرفة للرسم، وتعلم أصول الغناء، فالفنان لا بُد أن يُقدمَ خطابًا ورسالة مُلهمة ومهمته أصبحتْ بالغة الصعوبة، والخطورة في ظل انعدام الذائقة الجمالية، وهيمنة المحتوى الهابط".


الفريقُ الواحد

يَصفُ محمد الإبراهيمي، مدير معهد الفنون الجميلة للبنين/الصباحي في ذي قار، الذي أُسسَ في سنة 2013، عمله في المعهد بأنه مبني على روح الانسجام. إذ يقولُ: "تجسدَ هذا الشيء، من خلال الورش والبرامج التدريبية، والتنموية في المعهد. والنهوض بالجانب الثقافي، والتربوي، والفني للطلبة. وجاء ذلك من خلال ديمومة العمل والتواجد بشكل يومي ولساعات متأخرة". ويضيف: "أن أغلب المناهج جيدة. ولكن هناك بساطة في منهجي اللغة العربية، والإنگليزية، وبعض المواد التخصصية، التي تحتاج إلى مراجعة وتقييم". ويختم: "هناك عوامل مهمة يجب الالتفات إليها من أجل الارتقاء بعمل المعاهد، كالاهتمام بالأبنية، وتوفير الإمكانيات التقنية، والفنية للأقسام، والمختبرات، والگاليريات، والمشاغل التخصصية، وسد النقص الحاصل في الملاكات التدريسية المتخصصة في مجال الفن وتشكيلاته".


عاشق المسرح

يسكنُ في مدينة (الصويرة)، ويقطعُ (150 كم) ذهابًا وإيابًا، للوصول إلى معهده الواقع في (السيدية) بسبب عشقه، وولعه بدراسة المسرح. يتحدثُ أحد طلبة المعاهد، عن تجربته، وحرمانه من قسم كان يحلمُ بدراسة فنونه، لكن هذا المعهد، لا يحتوي على هذا القسم، يقول محمد مهدي، مرحلة2/قسم الخط العربي: "منذ نعومة أظفاري، وأنا مولعٌ، ومهتم بالرسم. لكن شغفي وعشقي اتجه للمسرح يومًا بعد آخر، وبعد عدة محاولات، تم قبولي في المعهد، لكنني صُدمتُ بعدم وجود قسم المسرح فيه فاضطررتُ للدخول في قسم الخط العربي، وتأقلمتُ معه، بل أصبحتُ من الأوائل، لكنني ما زلتُ عاشقًا لخشبة المسرح". 


على طاولة المسؤول

المدير العام للمديرية العامة لإعداد المعلمين والتدريب والتطوير التربوي في وزارة التربية، أحمد خالد الشويلي، شكر اهتمامنا وحرصنا على تسليط الضوء على هذا الرافد التربوي والفني في وزارتهم، قائلًا: "لدينا علمٌ بأن غالبية المعاهد بحاجة لمعدات، وأجهزة، وآلات موسيقية، وأفران خاصة بالفخار، وغيرها، لكننا نصطدم بقلة التخصيص المالي، الذي يجعلنا أمام تحد كبير ومسؤولية أكبر، في توفيره لها".


معايير مهمة

وأضاف: "نضعُ معايير صارمة، لافتتاح أي معهد، منها وجود بناية خاصة من قبل التربية المعنية، وتخصيص ملاكاتها التدريسية. بعد ذلك يتم فتح باب القبول للطلبة، ولقسمين، أو ثلاثة كحد أدنى لحين اكتمال أموره التنظيمية الأخرى، وذلك لتلافي وقوع مشكلات ومعرقلات تواجهه".


ترشيح وتنسيق

وعن الجهة التي تقوم بترشيح ملاكات المعاهد، تابع: "يتم الترشيح من قبل المديرية العامة للتربية، بعد التنسيق مع قسم الإعداد والتدريب، لسد حاجة المعاهد التي تحتاج لهذه الملاكات، ونقل خدماتها إليها. كما نعمل على تفعيل دور اللجنة الخاصة بوضع المعايير، والأُسس المحددة التي يتم خلالها اختيار إدارات المعاهد وتدريسييها، وتضم أعضاء من مديريتنا، ومن ديوان الوزارة برئاسة المدير العام لإعداد المعلمين، ومن الوزارة، وفقًا لشروط نظام المعاهد رقم 52 لسنة 1971". وزاد: "نفتقرُ لوجود تصميم هندسي موحد لغالبية المعاهد، لأن البنايات الحالية، لم يتم بناؤها من قبلنا، وهي لا تتوافق مع عمل المعاهد، كما موجود في (المعهد الأُم) في المنصور". 


تقديم إلكتروني

وأشار: "نسعى جاهدين من أجل أن يكون هذا العام عامًا مميزًا من حيث اعتماد التقديم الإلكتروني، ومن ناحية القبول والمقابلات. عملًا بمبدأ الشفافية والنزاهة". مؤكدًا توفير اللوازم والمستلزمات التربوية، حسب توجيهات معالي وزير التربية، الداعم والساند للمعاهد، باعتبارها رافدًا مهماً من روافد الوزارة.