الشعرُ حياة

ثقافة شعبية 2023/08/24
...

كاظم غيلان 



وعي محمود البريكان وأخلاصه لقضية الشعر وحدهما دفعا به لأن يقول :" الشعر جدير بأن تكرس له حياة كاملة" ولذا فقد عاش ورحل عن الدنيا وهو شاعر. ومثل البريكان قليلون، بل ولربما ثمة أزمة، شحة، ندرة باتت مثل هكذا تجارب يعلو همها الشعري فوق الهموم كلها، اذا مارصدنا الهموم" النقابية" و"الاستعراضية" و" الصوتية" التي هي في كل الأحوال النقيض الواضح لفكرة الشعر- الحياة . ولربما كان – بورخيس- أشد وضوحا وتطرفا حين راهن على فكرة الشعر بوصفها حياة أو موتا حين بحثها في " صنعة

الشعر".

ولكي نبسط الأمر بعيدا عن التنظير والمقولات أتذكر ذلك التشبيه البسيط - العميق الذي وضحه لي الصديق الشاعر الراحل كاظم الركابي في صيف سبعيني اذ كان يقيم في (فندق الميثاق) الكائن بشارع الرشيد فرأى بأن القصيدة الحقيقية لها القدرة بأن تنزل مدرج الفندق لتمشي مع الناس، تحكي معهم ويصغون لها ! 

كل ماتقدم تذكرته اليوم في متابعتي لردود أفعال ساخرة منددة انتشرت على صفحات الفيسبوك تجاه نفر من هؤلاء الذين يسمونهم ( المهاويل) وما يقدمون من تشوهات استغلالا لذكرى عاشوراء، وتزامنا مع الزيارة الاربعينية، فتأكدت من أن هناك من يدافع عن الشعر- يريد أن يكون بديلا 

للأول. 

تأكدت من أن هناك ذائقة ترتفع لترد بقوة على التشوهات التي قدم لها الإعلام – المنفلت- خدماته المجانية لكي تمرر النماذج الرثة الرخيصة التي وجدت في الفساد المستشري خير داعم وممول لها .

هؤلاء - المهاويل - يحملون هويات نقابية وحمايات عشائرية ويتلقون دعما ماليا بوصفهم شحاذين يتقنون صياغة – الهوسات- في أبواب - المضايف والدواوين-حيث بأمكانهم أن يرفعوا من شأن أقبح خلق الله لمصاف- الن ديلون- ويجعلون أبخل من في العشيرة حاتما طائيا جديدا - هذه النماذج هي الكفيلة بأن تنتج لنا شعرا ميتا، شعرا يولد بلا حياة، يتبناه ويروج له من هو اصلا غير صالح للحياة، أساليب انعاشه ورواجه تتم بلا كرامة. والان أعود من حيث بدأت:

البريكان غادرنا دون أن يشغل نفسه بصخب البيانات الشعرية وهوس التجييل، بل ولن يدخل مبنى إتحاد الأدباء إلا مرة واحدة طوال سنوات عمره!

وكاظم الركابي يكفيه أن كتب رائعته - مناجل - وأغنيته الأجمل " ينجمه" في حين ماتت دونما تذكر أغاني الزمان الهزيل:(صديقي باك محفظتي وقهرني)! 

وأخواتها. 

الشعر حياة .

الحياة شعر.