فجر محمد
ربما تكون مفردة (اكتظت السجون) هي الأقرب لحقيقة ما يحصل اليوم في البلاد، من حرب أعلنت صراحة على المخدرات ومن يتاجر بها، إذ تم اعتقال عشرات الآلاف من تجارها، فضلاً عن تشكيل قاعدة بيانات لملاحقة الباقين وعلى الصعيد المحلي ذكرت وزارة الداخلية أنها قامت بتنفيذ عمليات استباقية لكشف واعتقال مجموعة من المتاجرين، والمروجين منذ أواخر العام الماضي، إذ اعتقلت أكثر من 10 آلاف متهم. فكم من شاب وشابة وقعوا ضحية لمتعاطٍ أو تاجر، ومشوا في درب المخدرات والمواد المسكنة من دون رجعة. ولكن مراكز العلاج والتأهيل فتحت أبوابها لهم كي يتعافوا من هذه الآفة ويتجاوزوا الأزمة.
لم يكن القرار الذي اتخذه الشاب ذو العشرين عاماً والذي اختار اسماً مستعاراً وهو زيد، كي يتحدث عن حقيقة ما حصل له، وكيف أدمن على المخدرات ومن بعدها اختار اللجوء إلى أحد مراكز مكافحة الإدمان، ويروي زيد تجربته قائلاً: "لقد كان الأمر في البداية، مجرد تسلية بين مجموعة من الشباب، ثم تحول لاحقاً إلى إدمان ومشكلات لا تعد ولا تحصى".
تحشيد عالمي
لم تعد المواد المخدرة وما تسببه من كوارث تقتصر على رقعة جغرافية ما، وبحسب تقرير المخدرات العالمي لعام 2021، والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة فإن هناك ما يقرب من 275 مليون شخص تعاطوا هذه المواد، في دول مختلفة من العالم بالأعوام المنصرمة، في حين عانى أكثر من 36 مليون شخص من اضطرابات التعاطي ومن أجل إيقاف هذه الآفة الخطيرة، وضع يوم دولي خاص لمكافحة المخدرات والاتجار غير المشروع والسعي إلى تبادل الحقائق بشأن المخدرات، من أجل إنقاذ الأرواح، ويأتي هذا من خلال أهمية تعزيز قاعدة الأدلة وزيادة وعي الشباب.
وتذكر الإحصائيات أن هناك زيادة في نسب المتعاطين حدثت بين عامي 2010و2019، إذ بلغت النسبة 22 بالمئة، ويرجع ذلك جزئياً إلى النمو السكاني العالمي. وبحسب التغيرات الديموغرافية، فإن التوقعات تشير إلى إمكانية حدوث زيادة بنسبة 11 بالمئة في عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات على الصعيد العالمي بحلول عام 2030.
تأثيرات اقتصاديَّة
لا يتأثر النسيج الاجتماعي وحسب في حال انتشار المخدرات، بل أيضاً الواقع الاقتصادي قد يصاب بضرر، ويبين الباحث الاقتصادي والأكاديمي الدكتور ليث علي مطر أن انتشار المخدرات بين أوساط الشباب، ولا سيما الأيادي الماهرة بالتأكيد سينعكس سلبا ًعلى الاقتصاد، إذ سيتسبب بخسارة ملايين الدنانير نتيجة توقف تلك الأعمال، فضلاً عن ظهور أجيال مصابة بمشكلات صحية بسبب إدمان الأبوين، لافتاً إلى اضطرار الجهات المختصة لفتح مراكز علاج المدمنين وكل هذه القضايا تأثيرها سلبي في الاقتصاد الوطني.
آثار مدمرة
تعكف اليوم الأوساط الطبية والعلمية في دول العالم المختلفة على دراسة المخدرات وظاهرة الإدمان، وبحسب مدير قسم البحوث والدراسات في دائرة إصلاح الأحداث بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ولي جليل الخفاجي، فإن محاربة هذه الآفة تحتاج إلى تضافر الجهود العلمية والقانونية، فضلاً عن المؤسسات الإصلاحية، ولكن أولاً على المدمن نفسه أن ينهض بذاته ويتخلص من هذه المشكلة، التي ستؤثر في مستقبله وتعرض حياته وصحته للخطر.
ويقسم الخفاجي المخدرات إلى أنواع متعددة، منها الكحول والأفيون ومشتقاته والقنب والكوكايين، فضلاً عن القات وباقي المهلوسات، ولهذه المواد تأثيرات صحية خطيرة فهي تؤثر في العقل وتتسبب بفقدان الوعي الذي يؤدي إلى ارتكاب المدمن جرائم خطيرة دون أن يشعر بذلك.
ومن الآثار المدمرة الأخرى التي يذكرها الخفاجي، المبالغ الطائلة التي تقدر بمليارات الدولارات التي تصرف في تناول تلك المواد، والعلاج منها أيضاً، في حين يمكن أن توظف تلك الأموال في مكافحة الفقر وتوفير الخدمات الصحية والعلمية لأفراد المجتمع، ومن القضايا الخطيرة التي يطرحها الخفاجي أن إدمان الفئات العمرية التي تبدأ من 9 أعوام لحين بلوغ سن النضوج مشكلة خطيرة جداً، لا بد من دراستها، وتكمن خطورة المخدرات لتنوع مصادرها، فضلاً عن أنواعها ومنها الخام الطبيعية ويأتي على رأسها الأفيون ومشتقاته، والحشيش المستخرج من نبات القنب الهندي أو تلك المجموعات المصنعة من العقاقير المختلفة.
تكاتف جهود
عندما تسيطر مشكلة خطيرة على المجتمع، وتكاد تكون ظاهرة لا بد من اتخاذ جميع الإجراءات ووضع الحلول لمعالجة هذه المشكلة، وتقول رئيسة منظمة نقاهة لمعالجة إدمان المخدرات إيناس كريم أن هناك جهوداً مبذولة، من أجل اجتثاث المخدرات من المجتمع ومنها زيادة مراكز علاج الإدمان، التي افتتحتها وزارة الصحة لاستيعاب الشباب المدمنين.
وترى كريم أنه لابد من زرع ثقافة العلاج وترسيخها في نفوس المدمنين، وأن تتولد لديهم القناعة بأن الإدمان هو أشبه بمرض يمكن علاجه، والتشافي منه. مضيفة أن القانون العراقي اليوم يقف إلى جوار المدمنين، ويعطيهم الفرصة كي يتعالجوا ولا يحاسبهم على إدمانهم.
توصيات مهمة
وفي تصريح سابق للهيئة العليا لشؤون المخدرات في وزارة الصحة لـ (واع)، فإن هناك مجموعة من التوصيات التي صدرت من قبل رئاسة الوزراء، تهدف إلى الدفع بملف المخدرات إلى الأمام، ومنها افتتاح مراكز تدريب لعلاج المدمنين في المحافظات الرئيسة، وتزويد القوات الأمنية بأجهزة الكشف المتطورة، فضلاً عن الطائرات المسيرة والكلاب البوليسية، مع ضرورة الاهتمام بإطلاق برامج التوعية والتثقيف بشأن خطورة المخدرات، كما أوضحت الهيئة أن المراكز الصحية استقبلت أعداداً كبيرة من المدمنين الراغبين بالخضوع للعلاج والتشافي بشكل تام.
عقاقير منشطة
طرح مدير قسم البحوث والدراسات في دائرة اصلاح الأحداث بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ولي جليل الخفاجي، قضية خطيرة جداً وهي استخدام العقاقير المنشطة التي تندرج ضمن المؤثرات العقلية، وهي تعرف بالامفيتامينات التي تنتمي كيميائيا ًإلى مجموعة الأمينات المنشطة كالميثادون والكبتاغون، التي تؤخذ على شكل حبوب أو كبسولات وأحياناً أقراص، ويلفت الخفاجي إلى مخاطرها الكثيرة، فكلما زادت نسب تركيزها وقوتها زادت آثارها التخديرية، خصوصاً في التكوين الجسماني للمتعاطين، إذ تسبب المرض والهزال وفقدان الشهية للطعام، فضلاً عن الضعف العام واصفرار الوجه، وقلة الحيوية والنشاط وبالتالي تؤثر في مناعة الجسم لمكافحة الأمراض. ومن الآثار الصحية الأخرى تأثيرها في الجهاز الهضمي، إذ ينتج عنها سوء الهضم، واتلاف الكبد خاصة لمن يتعاطى الأفيون، فضلاً عن زيادة نسبة السكر في الدم ما يؤثر في وظائفه الحيوية ونشاطه. كما تسبب تلك المواد المخدرة عصبية زائدة وتوتراً انفعالياً دائماً يؤثر لاحقاً في التكيف الاجتماعي، والتأقلم مع الأسرة والأصحاب. ويؤكد الخفاجي أن المدمن يصبح خطراً على محيطه العام وأسرته، وحتى على نفسه أيضاً بسبب تصرفاته غير المسؤولة.