مستقبل المصارف الحكومية

اقتصادية 2023/08/27
...

محمد شريف أبو ميسم

لم يكن قرار دمج المصارف "ومنها الحكومية" غير القادرة على رفع قيمة رساميلها إلى ما لا يقل عن 400 مليار دينار خلال مدة أقصاها 31/12/2024 مفاجئاً ، فقد ورد في ورقة الإصلاح الاقتصادي أو ما سمي بالورقة البيضاء التي أقرت في تشرين الأول 2020 ، في سابعاً – المحور الثاني- أولاً - تأهيل القطاعات المالية، نص جاء فيه "معالجة مستوى رساميل المصارف الحكومية كافة ، وتنظيم عملية زيادة رساميلها إذا اقتضى الأمر".
مثلما ورد فيها ما يتعلق بإعادة هيكلة المصارف الحكومية مالياً وإدارياً تمهيداً للدمج كون بعض هذه المصارف تعاني من اختلالات مالية ناجمة عن ارتفاع نسب الموقوفات والديون الميؤوس من تحصيلها فضلاً عن كونها متأخرة في محور إدخال التقانات وأتمتة العمليات المصرفية.
ومنذ ذلك الحين باتت كل الاحتمالات واردة بشأن مستقبل المصارف الحكومية ونحن بصدد التمهيد لواقع مصرفي جديد ينسجم مع مشهد اقتصاد السوق، علاوة على ما قيل بشأن إحلال القطاع المصرفي الخاص محل القطاع المصرفي الحكومي في مهمة إدارة عملية التنمية بموجب شروط الإصلاح الاقتصادي .
وهذا الأمر لم يكن خافياً على بعض المراقبين وبعض العاملين في القطاع المصرفي بموجب ما ورد في الورقة ذاتها بشأن خصخصة أو تصفية الشركات العامة الخاسرة ، الأمر الذي يجعل المصارف الحكومية بوصفها شركات عامة مرشحة للخصخصة إذا ما كانت خاسرة.
ما يعني أن القطاع المصرفي سيشهد انتقالة جديدة، تمهِّد لانتقال المصارف الحكومية نحو السوق بموجب برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي ألزمت به البلاد تبعاً لشروط المديونية والاندماج مع الاقتصاد الذي تقوده مؤسسات العولمة.
بَيْدَ أن المهم في هذا الأمر هو إعطاء فرصة للمصارف الحكومية التي تحقق إداراتها نجاحاً ونمواً قبل الاندماج، عبر استقلال مجالس إداراتها وخروجها من نمطية الأداء الروتيني والتحرر من قيود البيروقراطية بدعوى الامتثال للتعليمات والأوامر، وخصوصاً منها تلك التعليمات والأوامر غير المنتجة، وبالتالي تعظيم دور الإدارات الناجحة لتكون لبنة لأساس شراكة بين العام والخاص ونحن بصدد شد عضد الدولة في مشهد ليبرالية السوق الذي تحاول فيه رساميل العولمة إحلال سلطتها محل سلطة الدولة، ومن المهم أيضاً اعتماد آلية لا تغفل التفاصيل الصغيرة في مراحل الاندماج، أما في مرحلة نقل العام إلى الخاص فالأولى وضع تشريع قانوني ينظم عملية الانتقال، ويحول دون استحواذ الطبقة "الكومبرادورية" على قطاع المصارف الحكومية كما في تجارب الدول النامية التي شهدت مثل هذا التحول.