رضا المحمداوي
لمْ يشأْ صانعو مسلسل “العندليب.. حكاية شعب” لمؤلفهِ مدحت العدل ومخرجهِ جمال عبد الحميد، أن يقدُّموا دراما تلفزيونية غنائية بشكل تقليدي مُتعكزّين على عنوان المسلسل وشخصيتهِ الرئيسة الفنان عبد الحليم حافظ “1929- 1977” كما أنهم لمْ يقتربوا من الطراز السينمائي الذي مثلَّ فيه الراحل أحمد زكي، شخصية عبد الحليم حافظ، في الفيلم السينمائي الذي يحملُ عنوان “حليم” لمؤلفهِ محفوظ عبد الرحمن وكان السيناريو التفصيلي والإخراج لشريف عرفة، وكلا العملين.. المسلسل والفيلم.. من نوع دراما السيرة الذاتية “إنتاج 2006” وقد شاهدنا على شاشة التلفزيون العديد من هذه النماذج الفنية.
وبغض النظر عن مستوى المعالجة الدرامية لمسلسل “العندليب.. حكاية شعب” التي فقدتْ الترابط الدرامي المتماسك، وأضاعتْ النسق التاريخي المتوازن، وهي تقدُّم الشخصية الفنية العامة للمطرب عبد الحليم حافظ، في إطار معاصر تعصفُ بهِ الأحداث والوقائع، فكان أنْ تصدَّرتْ شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ووقائع ثورة 1952المشهد الدرامي، وتراجعَ حضور “عبد الحليم” وتفاصيل سيرته الذاتية.
استوقفني في هذا المسلسل تأكيد أشقائنا المصريين من صنّاع الدراما، على إعادة إنتاج الشخصيات التاريخية المصرية من السياسيين والفنانين والأدباء والشخصيات العامة والحرص على تناولها بشكل مُتجدد ودائم حتى لا تكادُ تغيب عن أذهاننا وعيوننا أبداً.
فبالاضافة الى عبد الحليم ورديفه جمال، هناك شخصيات تجمع بين السياسيين والفنانين والأدباء المصريين الذين عاصروا تلك الحقبة التاريخية، وحَرَصَ المسلسل على تجسيدهم أمثال عبد الحكيم عامر، ومحمد نجيب، وحسن البنا، وكمال الطويل، وبليغ حمدي، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وسعاد حسني، وإحسان عبد القدوس، وفاتن حمامة، والسادات، وأمل دنقل، وغيرهم.
وإزاء هذا الحضور والتجسيد الفني للشخصيات المصرية بكافة عناوينها المختلفة، أتساءلُ: أينَ حضور الشخصيات التاريخية والوطنية العراقية.. السياسية منها والفنية والثقافية والشخصيات العامة الاخرى في الدراما العراقية؟ هل نكتفي بنماذج قليلة سبق وإن قدَّمتها الدراما العراقية من هذا النوع الدرامي التلفزيوني؟ وماذا عن الشخصيات العراقية الوطنية الاخرى التي غابتْ عن أذهان الاجيال تحت ركام النسيان؟
وللأمانة كان لدينا قبل خمسة أعوام، في مديرية الإنتاج الدرامي بشبكة الاعلام العراقي، مشروع إنتاج درامي بعنوان “شخصيات وطنية عراقية” وكان لي شرف تقديمه والمساهمة في وضع الخطوط العامة له، وتتلخص فكرة المشروع بإنتاج أعمال درامية عن شخصيات عراقية عُرِفَتْ بمواقفها الوطنية الشريفة وتركتْ أثراً مميزاً في وجدان المجتمع.
وفي مُقدِّمتها الشهيد محمد باقر الصدر، لمؤلفهِ حسين علاوي، ورشح عزام صالح، لاخراجهِ، وبالفعل وضع المسلسل في خطة الانتاج إلا أن بعض المواصفات الفنية حالتْ دون إنتاجهِ حينها، وفي هذا الاثناء قدَّم المؤلف صباح عطوان مسلسل “الظل والظلال” ثم حلت الأزمة الاقتصادية وتوقفتْ عجلة الانتاج ليدرج مسلس “محمد باقر الصدر” في قائمة الانتظار الى أجل غير مُسّمى.
ومن الشخصيات الوطنية العراقية التي اُدرجتْ في قائمة هذا المشروع “عبد الكريم قاسم” وقدَّم أكثر من مؤلف فكرة ونص مسلسل عنه، منهم أحمد هاتف وعلي صبري، الذي وجدتهُ عملاً درامياً ملحمياً يغطي مرحلة طويلة من تاريخ العراق، تبدأ بنهاية العهد الملكي وتنتهي بسقوط النظام السابق 2003.
وتتعدد الشخصيات المرشحة للتناول في ذلك المشروع الطموح لتشمل “جعفر أبو التمن” لمؤلفهِ د. سلام حربة، وقد تصدتْ الفنانة ليلى محمد، لإنتاجه، وهو عمل يستلزم إمكانيات إنتاجية كبيرة جداً.
العمل الوحيد الذي كُتِبَتْ له رؤية النور “الحب والاسوار” لمؤلفهِ الراحل عبد الإله حسن ومخرجهِ صلاح كرم، فقد إمتدت الأيدي الأمينة وانتشلتْه من ركام الاهمال ووضعتْهُ في إطار الشخصيات العراقية الوطنية خاصةً وانه يتناول الحقبة التاريخية لثورة العشرين.
المهم حصلتْ موافقة شبكة الاعلام العراقي على إنتاج مسلسل “الحب والاسوار” إلا ان الميزانية الانتاجية الكبيرة حالتْ دونَ إنتاجهِ، فكان المقترح أن تخاطب رئاسة الوزراء في حينهِ من أجل التكفل بميزانيته، وتأجيل البت فيه الى ان حصلتْ موافقة وزارة الثقافة مؤخراً على الإنتاج وتخصيص الميزانية، ومن المؤمل البدء بتصويره قريباً.
وبكلمة موجزة أخيرة، أقول: مشروع شخصيات عراقية وطنية، مشروع درامي جدير بالرعاية وإيلائهِ الاهمية القصوى لما يحملهُ من قيمة فكرية في إحياء تلك الشخصيات، وما تنطوي عليه عملية الانتاج الدرامي من إعادة حضور لتلك الشخصيات العراقية التي قدَّمتْ التضحيات في سبيل إعلاء قيمة الوطن في أذهان وعقول وضمائر الاجيال؛ لذا أوجّهُ دعوة لكلٍّ من رئاسة الوزراء ولجنة الثقافة والاعلام في مجلس النواب ووزارة الثقافة وهيئة الاعلام والإتصالات وشبكة الإعلام العراقي، لتبني هذا المشروع والحرص على دعمهِ إنتاجياً كي نرى أعمالاً درامية مجسدةً على شاشة التلفزيون.