مسلم غالب
يعتبر إدمان المخدرات تحدياً كبيراً يؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم. ومع تعقيدات هذه المشكلة وخطورتها، باتت هناك حاجة ملحّة إلى اتّباع نهج شمولي يعتمد على تعزيز المشاركة المجتمعية لمواجهة هذا التحدي العالمي. نحاول في هذا المقال المختصر، تسليط الضوء على واحد من أنجح الحلول المجتمعية لهذه المشكلة الاجتماعية: زمالة المدمنين المجهولين.
تعد زمالة المدمنين المجهولين (AA) منظمة غير ربحية، تأسست في عام 1935 في الولايات المتحدة. تهدف هذه الزمالة إلى دعم الأشخاص الذين يعانون من إدمان المخدرات أو الكحول وتوفير منصة آمنة لهم للتحدث عن تجاربهم والتعاون مع بعضهم البعض للتعافي.
تعتمد زمالة المدمنين المجهولين على مبادئها الأساسية المعروفة باسم "الخطوات الإثني عشر"، والتي تساعد الأعضاء على التصالح مع الذات والآخرين والسعي للتقدم الروحي والعاطفي والجسدي. يُنظر إلى المدمن في هذه الزمالة على أنه إنسان مريض على كل المستويات، و يسعى البرنامج إخراجه من التمحور حول ذاته المريضة إلى التركيز على قوة أعلى منه. كخطوة أولى، على المدمن الاعتراف وقبول عجزه أمام المخدرات وتعاطيه. تساعده هذه الخطوة على إزالة حاجز التبريرات حول قوته المزعومة ليكف عن خداع نفسه والأخرين على أنه بإمكانه ترك المخدرات متى ما شاء.
وتأتي الخطوات التالية لتعرّفه بدوره ومسئوليته في خلق المشكلة وتساعده ليتعرف على جذورها العميقة في غرائزه النفسية، وليكف عن لوم الآخرين.
وأما الخطوات النهائية فهى تساعد المدمن المتعافي على التعرف على مصدر هذا الكون وقوته العليا، ولايكتمل تعافيه، إلا بنقل الخطوات إلى مدمن آخر ومساعده للتخلص من تعاطي المخدرات. جدير بالذكر، أن المدمن المتعافي لا يستطيع السير على نهج هذه الخطوات بمفرده، بل لابدّ من موجّه أو مرشد يساعده في الأمر. و الطريف أن الموجّه أيضاً مدمن متعافٍ مثله، قد أكمل الخطوات من قبل.
زمالة المدمنين المجهولين تقدم دعمًا فريدًا لأعضائها من خلال الاجتماعات اليومية والأسبوعية التي تُعقد - بشكل حضوري وافتراضي - في جميع أنحاء العالم. وتعتمد هذه الاجتماعات على احترام الخصوصية والسرية التامة، حيث يشجع الأعضاء على استخدام الأسماء الأولى فقط وعدم إفشاء هويتهم للخارج. يتشارك الأعضاء تجاربهم وأحكامهم ونصائحهم وصعوباتهم ونجاحاتهم في رحلة التعافي. في زمالة المدمنين المجهولين، لا توجد قيود على الانضمام أو المشاركة. تكمن قوة هذه الزمالة في تضامنها وفهمها لمعاناة الإدمان والتعافي منه.
يتم تشجيع الأعضاء على المحافظة على بيئة متعاونة لا تحكمها الانتقائية أو النقد، حيث يتم قبول الجميع بكل ما يحملونه من تجارب وأحكام.
تطوّرت الزمالات المبنية على الإثني عشر خطوة، عبر العقود الماضية وتفرّعت منها مجموعات أخرى تركّز على التخلص من الإدمانات الأخرى كـ : الجنس، والاعتمادية، والكآبة، وقلة الكسب.. الخ. وكل هذه الزمالات غيرحكومية، غيرنفعية وغيرسياسية.
في النهاية، تعد زمالة المدمنين المجهولين ملاذًا رحبًا وموثوقًا للأشخاص، الذين يسعون للتعافي من إدمان المخدرات أو الكحول. من خلال الدعم المستمر والتوجيه والتضامن، يمكن للأعضاء، بناء حياة جديدة تعيد لهم الأمل والسعادة.
هذه الزمالة هي تذكير بالحلول الجماعية والمجتمعية، وتظهر قوة المجتمع المدني بكافة شرائحه في إيجاد الحلول المبتكرة للمعضلات الاجتماعية.