بدور العامري
تصوير: خضير العتابي
هل لنا أن نرى في عاشوراء قيمة إضافية، غير ما هو معروف ومتداول من قيمها ودروسها؟، هل لنا أن نجد غير الدماء والأشلاء وغير الصراخ والعويل؟، هل لنا أن نرى الحب وسط الدماء والأشلاء؟، بكل تأكيد يمكننا أن نرى (قيمة الحب) مع انها غالباً ما كانت غائبة او مغيّبة عن قاموسنا الإسلامي، وعن حياة الفرد المسلم، إذ يمكننا أن نتعلم الحب في مدرسة عاشوراء، لأنها ليست مجالا للحقد والكراهية ولا لإثارة الغرائز والفتن، إنما هي مدرسة تعلم الأجيال كل المعاني السامية وعلى رأسها قيمة الحب الإنساني والعشق الإلهي.
حُبُّ الله
يقول العلامة الشيخ حسين الخشن في إحدى مؤلفاته "لا بدَّ من معرفة الرابط بين حبِّ الله وحبِّ أوليائه، لأنّنا نعلم أنَّ على المسلم أن يوحّدَ الله في الحب، ليكون حبّه خالصاً الى الله تعالى، ولا يشرك معه أحداً، ولا شكَّ أن حبَّ أولياء الله هو من حبِّ الله تعالى، فلا يتنافى وحبّه تعالى كما هو حبّنا لكلّ من حولنا من بشر او أرض او جبال او انهار لا يتنافى وحبّ الله ما دام حبّ هذه الأمور متحركا في خط حبّ الله، ويُبيّن الشيخ حسين أنَّ حبَّ أولياء الله لا يحتاج الى وصايا خاصة من أحد، فهم بما يمتلكون من روحانيَّة خاصة وأخلاقيَّة عالية سوف يجتذبون الناس اليهم ويدخلون القلوب من من دون استئذان، وذلك هو سرُّ إمامتهم وولايتهم، ومع ذلك قد أكد سبحانه وتعالى على أهمية محبّة آل بيت رسول الله بقوله تعالى في سورة الشورى "قل لا أسئلكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى"، كذلك ما جاء على لسان النبي الأعظم محمد (ص) مشيراً إلى أن محبّة أهل البيت فيها قوام الايمان (حسينٌ منّي وأنا من حسين أحبَّ اللهُ من أحبَّ حُسيناً).
لذلك يبيّن أهل الفقه والحديث أن حبَّ الحسين هو من حبِّ رسول الله وحبِّ رسول من حبِّ الله تعالى.
صورُ الحبِّ
عندما نطلُّ على علاقة الإمام الحسين (ع) بالله تعالى، فإنّنا نجدها قائمة على أساس الحبِّ لله والذوبان فيه، وقد تجلّى ذلك في كلِّ حياة سيد الأحرار خاصة لا سيما في عاشوراء، ليظهر لنا هذا الحب بعدة صور منها على سبيل المثال: بعدما يسقط أصحاب الحسين وأبناؤه صرعى على رمضاء كربلاء، يخرج الامام (ع) الى جيش عمر بن سعد طالباً منهم أن يقدموا لابنه الرضيع شربة من ماء، لأنَّ العطش قد أخذ منه مأخذاً عظيماً، وكان جواب القوم أن رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم ذبحه من الوريد الى الوريد وهو في حجر والده، فماذا تتوقع ان يكون موقف الحسين (ع) بعد ان يرمي دم وليده نحو السماء؟ هل يبكي او يشكو او يجزع او يتراجع، كلا، لا هذا و لا ذاك، بل قال مقولته الشهيرة "هوَّنَ ما نزلَ بي أنَّه بعين الله"، وفي صورة أخرى للحبِّ الإلهي بما يرويه كتاب تاريخ الطبري "انه في ليلة التاسع من محرّم وبعد ان أصبحت الخيارات واضحة، أما السِّلَّة وأما الذلّة، طلب الإمام الحسين من أخيه العباس عليهما السلام، أن يتفاوض مع عمر بن سعد وهو قائد الجيش المناهض للحسين في مسعى لإقناعه بتأخير القتال الى يوم غد، وأن يدعهم هذه العشيَّة وشأنهم، ولربما يجول في خاطر المتتبعين أن الإمام طلب هذه المهلة كي يودّع عياله او خشية الموت!، لكن رغبة الحسين كانت "لعلّنا نصلّي لربنا" و "اني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء
والاستغفار".
وغيرها من الأمثلة والصور التي تمثلت بعشق الحسين لربّه وحفاظه على أداء الصلاة في وقتها ظهيرة يوم عاشوراء قبيل ان يستشهد، ولم يتوقف الامر عند الإمام الحسين بل تعداه الى معسكر المتفانين في الله وفي حب وليه، وهذا الفداء المنقطع النظير والتضحيات الجِسام لأهل بيت الحسين وأصحابه النجباء في يوم عاشوراء، يجعلان المرء حائراً أمام هذه الثلة الطاهرة التي عشقت الحسين وافتدته بأرواحها وانفاسها
الطاهرة.
مشروع الهداية
إنَّ المشروع الذي حمله الحسين بن علي (ع) هو المشروع عينه الذي حمله رسول الله (ص) وحمله أبوه علي بن ابي طالب (ع) وهو مشروع الهداية، كما أنَّ الثقافة التي بشَّر بها عليه السلام هي ثقافة الحب والرحمة والتواصل، ومن واجب المسلمين ان يقدموا الحسين بصورته الحقيقيَّة باعتباره داعية للسلام وللحب كما هو داعية للعدل والاصلاح.
ويُبيّن العلامة الشيخ الخشن أنَّ "المقياس في نجاح الوسيلة الإحيائيَّة هو في تمكّنها من أن تفتح قلوب الناس على الحسين (ع) وأهل البيت (ع) فأنت بذلك ستدخل بكل سهولة الى عقولهم لتفتحها على فكر الحسين (ع) وستدخل على حياتهم لتغييرها على صورة الحق الذي يمثله الإمام الحسين، لهذا تعالوا أيها العاشقون للحسين (ع) ونحن نبكيه ان نبكيه بكاءَ المحبِّين لا بكاءَ المنتقمين، واعلموا ونحن نلبس السواد على الحسين (ع) ان لا ندع اللون الأسود يدخل قلوبنا ليملأها بالحقد والبغضاء، فقد ورد في حديث عن الإمام الصادق (ع) عندما سُئِلَ عن لبس السواد قال "بيّض قلبَكَ والبس ما شئت".