نقّاد البعد الواحد

ثقافة شعبية 2023/08/31
...

كاظم غيلان

بعيداً عما يصنف أكاديميا، أو ثقافيا، يظل النقد متناً إبداعياً معنياً بكشف وتقويم سائر  الأعمال الإبداعية من شعر، رواية، قص، مسرح، سينما، موسيقى، تشكيل. وللنقد متلقٍ حذر ودقيق في رصده، من شأنه تقييم النقد نفسه .
في مشهد شعر العامية العراقية وفي ذروة عافيته الإبداعية بحقبة السبعينيات، تحققت حركة نقدية متواضعة راحت ترصد وتتابع ماينشر من نتاج وما تقام من فعاليات وأنشطة، اسهمت إلى حد ما في تعزيز قوة ذلك المشهد، وكان معظم هؤلاء النقاد من كريمي العين ( عوران) - مع اعتذاري للتسمية - فما كان من شاعرنا الراحل طارق ياسين المعروف بسرعة بديهيته إلا وأن أطلق عليهم - نقاد البعد الواحد-.
اطلعت هذه الأيام على العديد من منشورات صفحات تواصلنا الاجتماعية التي لاتخلو من النيل والتشكيك بنزاهة الكتابات المحسوبة على النقد سيما في حقلي الرواية والشعر حتى أن أحد الأصدقاء نشر - تسعيرة - الدراسات التي لاقت سخرية وتندرا واسعتين .
التشكيك بنزاهة معظم الكتابات لربما بات مألوفا في عراق اليوم، ونحن نتابع فضائح صادمة تكشف عنها لجان النزاهة جراء الفساد المستشري في دوائر الحكومة . فلا غرابة ولربما هو حاصل تحصيل ان يصل الفساد لثقافتنا التي يشكل النقد احد أركانها.
لم يعد ايما وجود لما فهمناه من نقد بمعناه الذي أشرت له مقدما بقدر ما هي انطباعات وكتابات صحفية عابرة، ولربما بعضهم تشكلت لديهم غريزة جديدة تدفع بهم للادمان في النشر أو التدافع، لأجل مداخلات أثناء الفعاليات الثقافية يراد منها الاستعراض أمام عدد من الحاضرين والحاضرات أو طمعا بما تصوره كاميرات الفضائيات الحاضرة أو التقاط السيلفيات، وهذه جميعها لاتصلح حتى هامشا للنقد الذي نبتغيه .
بعضهم يستسهل هذه التسمية بمجرد حصوله على درجة اكاديمية متناسبا ان الدراسات العليا كفيلة بمنحه الدرجة فقط، اما أن يكون ناقدا فذلك شأن أعلى وأهم وأصعب. فأنت تشهد عرضا مسرحيا وتكتب رأيك بما عرض لايعني انك أصبحت ناقدا مسرحيا، كذلك الحال لمن يشاهد فيلما سينمائيا مهما ويكتب انطباعه عنه في صحيفة أو في صفحته، التي يعتمدها في فيسبوك أن يكون بالضرورة ناقدا سينمائيا  .
الدوافع المتوفرة في الكتابات النقدية غدت مثار شكوك وتأويلات بسبب تواري النزاهة ومدى اخلاص الكاتب لقضيته الثقافية، فما الدافع الذي يتيح لك كتابة دراسة عن قصيدة أو قصة، كتبها محرر إحدى الصفحات الثقافية؟.
ما الدافع لكتابتك مقال (نقدي) عن مسؤول في مؤسسة فنية أو إعلامية لم يكن ذا شأن قبل تسنمه المسؤولية؟ أليس التملق والنفاق وحدهما الدافع . هذا كله ناهيك عن الكتابة ( النقدية) في مجمل الحقول، التي غالبا ماتكون ( مدفوعة الثمن ) وهذه استشرت في حقل الموسيقى والغناء خاصة  منذ العقد التسعيني. وامتدت اليوم لكل حقول الأدب والفن .
أما نقود الجنس الناعم فحدث ولا حرج وياليتنا احتفظنا فقط بـ( نقاد البعد الواحد).