وليد خالد الزيدي
لم تكن نهضة أبي الأحرار إمام التقى والهدى الحسين بن علي (عليهما السلام) حدثاً تاريخياً عابراً أو مجرَّد ثورة لتغيير واقع مفروض فحسب، إنما هي انعطافة كبيرة في مسيرة التاريخ وسيرة الرموز والعناوين الكبيرة على مرِّ الأزمنة، وانعكاس حيّ لما كانت عليه أحوال الناس بداية التاريخ الإسلامي لدولة فتيَّة أسَّسها النبي الأمين وآل بيته الطاهرون وأصحابه المنتجبون الذين ساروا على هديه بعد أنْ رافق الجليل الأعلى وما واجهه الإسلام بعد ذلك من تهميش وفتن ودسائس وتنكر لأهل البيت وموجبات السير على هديهم باعتبارهم السابقين في الإيمان والمضحّين في سبيله وأقدر الناس على حمل رسالته وتوعية الناس بمبادئ الدين وتعاليمه فهم من نهلوا العلم من النبي الهادي الذي اصطفاه الخالق من بين خلقه ليكون مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً.
معانٍ كبيرة ودلالات عميقة ودروس بليغة تحملها ذكرى أربعينيَّة الإمام الحسين (ع) منها مقارعة الظلم ومناهضة الباطل والدفاع عن القيم الإنسانيَّة التي جاء بها الإسلام الحنيف مع أنَّ ساعة الشهادة وذكرى الأربعينيَّة لم تدم في خصائصها الماديَّة طويلاً إلا أنها في واقع الأمر كانت التاريخ كله، إذ امتدت على مساحة واسعة في الأصقاع من بلدان الأرض وطال تأثيرها أفق التاريخ ومدياته الروحيَّة واعتباراته القيميَّة التي أذكت في النفوس جذوة الإيمان وصورت العنفوان وإرادة الخالق لعباده الصالحين الذين أراد لهم أنْ يتحرروا من قيود الظلم ويتخلصوا من شراك الطغيان ليعبدوه خالصين له الدين رغم أنوف الكافرين الذين تجاهلوا حق الولاة عليهم وتنكروا لوصايا النبي (ص) الذي بدا وكأنه يعلم ما سيجري على آل بيته الأطهار من ويلات وحروب فيوصيهم بالصبر والاستجابة لكلِّ التحديات الكبرى التي تواجه كلاً منهم ليلقي الحجة والبرهان والامتحان لكل من يدعي أنه مؤمن ويزعم أنه مسلم يمكن أنْ يحفظ عهد الرسول به إنصافاً وانتصاراً لدين الحقِّ ليظهر أصحاب الفتن ما ظهر منها وما بطن ويعري الشخوص المنزوية في الظلمات ويزيل الأقنعة عن الوجوه المسودة الكالحة التي استمرت بمجافاتها للإسلام والنبي وآله الأطهار من بعده.
من قاتل أبي الأحرار فقد ناصب العداء للإسلام والنبي ودولة الخير والصلاح والذين حملوا سيوفهم ضد أهل بيته إنما عدَّهم التاريخ مناهضي الدين الحق وأعداء للرسول الأمين وبهذا تكون القضيَّة واضحة المعالم لكل منصف غيور فكاد الأعداء كيدهم وجمعوا شتاتهم للانقضاض على رموز الإيمان بعد الرسول وها نحن نعيش ذكرى أربعينيَّة الإمام الحسين بعد تلك الموقعة الخالدة ندعو الله العلي القدير أنْ يمنَّ على بلادنا بالخير والصلاح وعلى شعبنا العراقي بجميع قومياته وأديانه وأطيافه بالأمن والاستقرار ومزيد من التلاحم والتماسك وتوحيد الصفوف لمواجهة الإرهاب وعصابات الفتن والدسائس ضد شعبنا الأبي ونستلهم من الذكرى الجلل المواعظ والدروس.