زيارة الأربعين .. هُتافٌ وصَيْحة .

منصة 2023/09/02
...

عصام كاظم جري

الصَّبرُ لغة: نقيض الجَزَع، وهو: حبس النفس، وكفّها، أمّا شرعاً فيذهب إلى معنى الامتناع عمّا حرّمه الله تعالى، وأداء ما أوجبه الله من فرائض، والصبر هو الابتعاد عن الجزع، بمعنى الرضا بما قدره الله تعالى، من دون اعتراض. ويُقصَد بالصبر في الاصطلاح الشرعيّ: الثبات على ما ورد في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة، والقدرة الإلهية .
ويمتحن الله تعالى صدق إيمان الإنسان بمجموعة من المصائب، وجاء في قوله تعالى: ( مَا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
ومن أسباب المحن والمصائب تربيةٌ نفوس المؤمنين في معرِض الحياة، وإن صبر المؤمن عند الابتلاء يعدُّ أحد أسباب رفع درجته ومكانته عند الله تعالى، ولهذا على الإنسان استبعاد اليأس والقنوط من رحمة الله إذا ما تعرض إلى مصيبة، فالجزع والملل لا يعدان من صفات الإنسان المؤمن، ولنا في صبر الإمام الحسين بن علي وأهل بيته عليهم السلام أسوة حسنة، ففي يوم عاشوراء، لم يعرف الإمام معنى اليأس، لهذا انتصر على الآثار السلبية للجزع والقنوط واليأس والملل وسيف الطغيان.
فالإمام عليه السلام وسط هذه المحنة يقف شاكرا لربّه راضيا بقضائه وقدره، وهو على معرفة بأن رحمة الله وَسِعت كلّ شيءٍ، وجاء في قوله تعالى: (وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ).
ولهذه الصفات كرّم الله تعالى"سيد الشهداء" بمجموعة من الكرامات، منها مسيرة زيارة الأربعين، ويرى العالم العربي والغربي والمراقبون والإعلاميون والخبراء في الشأن الإسلامي، أن زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام أصبحت منارا بارزا وعلامة من علامات الأمة الإسلاميّة وغير الإسلاميّة أيضا، فإنسانيّة الإمام الحسين عليه السلام مطلقة ومباحة للجميع . ينطلق للزيارة الأربعينية المسلم وغير المسلم، من دون عناوين، ومن دون رتب ومقامات. إن هذا الامتداد في الزحف رسّخ بشكل لافت مبادئ الثورة في القلوب والضمائر والأرواح . إذاً نحن اليوم لسنا بحاجة إلى ما يقوله الباحثون، سواء أكانوا أسلاميين أم غير إسلاميين ، فالتظاهرة المليونية التي تشهدها كربلاء تمرُّ كالشريط أمام العيون وتخطف نبضات القلوب، وبالمجمل فإنها تدل على وعي الأمة الإسلاميّة بما حملته الثورة من دلالات ومواقف ومعان سامية، أخلاقية واجتماعيّة وإنسانيّة خالدة. إن توافد الملايين  لإحياء زيارة الأربعين في ظل هذه الظروف السياسيّة والاجتماعيّة التي تعيشها المنطقة، دليل على وعي وتقدّم ووحدة الشعوب في إطلاق صيحة العدالة التي غيبها بعض الأنظمة الاستبدادية الرجعية الحاكمة . وتبقى زيارة الأربعين هتافا عفويا يصدر من قبل الشعوب الواعية بقضية محاربة الطاغوت والاستكبار، وتتمحور هذه الشعوب حول قضيتها في إنصاف المظلوم، والانتصار على الظالم، مثلما انتصرت الثورة على السيف .
إن رمزية زيارة الأربعين في رسم صورة عن التلاحم بين الشعوب الإسلاميّة العربيّة وغير العربيّة .
ولن يفلح من يحاول أن ينفق الملايين من الدولارات لتفعيل فضائيات تعمل على التّعتيم الإعلامي، وتضليل الرأي العام. إن زيارة الأربعين دحضت كل المحاولات العدائيّة التي ما انفكت عن فعل التفرقة بين الشعوب الإسلاميّة، وتكمن أهمية هذه المراسيم بخروج الشعوب الإسلامية في وقت واحد لأدائها بضمير نابض بالإنسانيّة.
وتظل زيارة الأربعين تحمل مضامين سياسية واجتماعية واسعة النطاق، حتى أصبحت رسالة تنتقل من جيل إلى جيل في مواجهة الظلم والطغيان.