السرُّ الكامنُ في عالميَّة الأربعين

منصة 2023/09/02
...

يونس جلوب العراف

في الكون ثمة أسرارٌ تعرَّف عليها البشر من خلال الاكتشافات العلميَّة، لكنَّ هنالك أسراراً لا يمكن الوصول الى كنه حقيقتها ولا يستطيع العلماء إيجاد تفسيرٍ لها، والسبب في ذلك كونها روحانيَّة أكثر من كونها ماديَّة، ومنها زيارة الأربعين، فهناك سرٌّ كبيرٌ يقف وراء توجه جموع الزائرين الى كربلاء في العشرين من صفر الخير في زحفٍ مليوني من مختلف أنحاء العالم يتنامى يوماً بعد آخر حتى تحول الى تظاهرة سنويَّة هي الأقرب الى أنْ تكون ظاهرة عالميَّة.
إنَّ المتعمق في شؤون القضيَّة سيقول بالتأكيد إنَّ السرَّ هو عمق الثورة الحسينيَّة ومدى ملامستها لهموم الحائرين، وقدرتها على تغيير الواقع المرير الذي سعى سيد الشهداء عليه السلام الى استبداله وتبديد قوى الشر والظلام التي أطبقت على مفاصل المجتمع ومنعته من النهوض والتقدم في مجال حقوق الإنسان تحديداً التي هي المرتكز الأساس الذي سعى إليه أبو عبد الله في إعلان ثورته على الظلم وترسيخ مبادئ العدالة الإسلاميَّة التي جاء بها نبي الرحمة محمد (ص).
عالميَّة زيارة الأربعين تتوضح يوماً بعد آخر من خلال زيادة أنصار القضيَّة الحسينيَّة على امتداد الكرة الأرضيَّة؛ وذلك لكون المبادئ الإنسانيَّة هو ما يبقي الفكرة الحسينيَّة في التخلص من الظلم متوهجة الى ما نهاية ويمكن القول إنَّ زيارة الأربعين هي رجعُ صدى أصوات الثائرين، لغرض تحطيم العروش الواهية والقصور البالية، فهي المعول الذي دكَّ حصون الظُلّام وهي ما يجعلها تختلف مع الثورات الأخرى التي أصبحت مندثرة، وماتت أفكارها، بينما هي تبث الى يومنا هذا مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وستبقى كذلك فالمواكبة على السير الى كربلاء تعني أنَّ السائرين لا تزال عروقهم تمتلئ برفض الظلم، وتعبر عن مدى الاستعداد المتواصل لنصرة كلمة الله التي أراد ترسيخها أهل البيت عليهم السلام في الإنسان على اختلاف مشاربه.
وفي مقابل من يقف بالضد من الزيارة سيرى المراقب المنصف أنَّ السائر بخطوات العشق الى كربلاء اليوم، موازياً لموقف من وقف الى جانب السبط الغريب ذلك اليوم، حين قلّت حيلته وكُسر ظهره، فلا فارق ولا انفصال بينهم سوى الزمان الذي افتخر بتسجيل أسمائهم على صفحاته المشرقة، فمن يتحمل تقلبات الظروف الجويَّة وقسوتها، من حرٍ وبردٍ وأمطارٍ هو حاملٌ لرسالة قدسيَّة مفادها أنَّ الإيمان بالقضيَّة يحتاج الى التضحية بجميع أشكالها، فالمشاركة بمسيرة الأربعين يعني الانضمام الى جيش المطالبة بالحقوق ونصرتها وهو دأب العراقيين الذين كانوا وما زالوا المناصر الأول للإمام الحسين عليه السلام انطلاقاً من كونه أول من أسَّسَ أساسَ الدفاع عن الحق واستشهد في سبيله.