مزارعو الماريجوانا الكولومبيون بين الحكومة والعصابات
ستيفانو بوزيبون
ترجمة: بهاء سلمان
قبل عدة أسابيع، تجمّع نحو مئتي شخص صباحا في بلدة كاجيبيو الصغيرة، الواقعة جنوب غربي كولومبيا، لغرض الاستماع للحكومة، التي كانت تواصل مداواة جروحها بعد فشل مبادرة لتشريع الماريجوانا الترفيهية داخل البرلمان قبلها بأقل من عشرة أيام.
خلال اللقاء، طرح مسؤولون من وزارة العدل خططا لكيفية التصدي للإنتاج الوفير للمحاصيل غير الشرعية في البلاد، وذلك عبر تشييد طرق وجسور أفضل لربط المزارعين بالأسواق الرسمية، ومن ثم سيتمكن المزارعون بعدها من بيع المحاصيل المشروعة بأرباح أكبر، وإبقاء الناس بعيدا عن المخدرات المتزايدة الانتشار. نجاح هذه الاخطوة يعاضدها مشروع حكومي واعد بجعل سندات ملكية الأراضي قانونية من أجل اضفاء الطابع الرسمي على حقوق المزارعين للأراضي التي يعملون بها، وهي مبادرة جديدة لإجازة امتلاك مبالغ مالية كبيرة وفق صيغة قانونية.
“غلوريا ميراندا”، مدير قسم سياسة المخدرات لوزاة العدل، أكّدت رغبة الحكومة بفرض حقوق المزارعين، بيد أن “يولير لوبيز”، البالغة من العمر 48 عاما، والمعيلة الوحيدة لأطفالها، لم تكن مهتمة كثيرا بما يجري، وهي تمثّل مجموعة تضم نحو 800 مزارع لأشجار الماريجوانا، وتحصد ما تدرّه 250 شجرة من مخدر القنّب، وتعلق قائلة: لقد حان وقت الشروع بالعمل”.
ويعيش أكثر من مئتي ألف مزارع لمحاصيل المخدرات ضمن فضاء إجرامي متلبس بتهمة المخدرات في كولومبيا، لأن محاصيلهم غير قانونية، وفقا لاتحاد عمالي يمثل المزارعين المساهمين بانتاج الكوكائين والماريجوانا. وبسبب وجود كولومبيا على خط المواجهة الساخنة في الحرب العالمية ضد المخدرات طيلة فترة الخمسين سنة الماضية، غالبا ما كان المزارعون هو الطرف الخاضع للسياسات التعسفية الخاصة بمكافحة المخدرات المفروضة من قبل البرلمان. فخلال العام 2020، حاول الرئيس السابق “ايفان دوكو”، تنشيط عملية تبخير الأعشاب الضارة العشوائي وذلك كطريقة ستراتيجية لمكافحة إنتاج نبات الكوكا، على الرغم من حظر المحكمة الدستورية الكولومبية لهذه الممارسة قبل عقد من الزمن بسبب المخاطر الصحية على المزارعين.
وقال معظم المزارعين الحاضرين إلى التجمع في بلدة كاجيبيو أنهم مرغمون على بيع محاصيلهم إلى كارتيلات المخدرات العالمية بسبب الافتقار الى البدائل، مع خشيتهم من انتقام زبائنهم المتمرّسين في عالم الجريمة والجهات الرسمية المنفّذة للقانون التي بمقدورها ملاحقتهم بسبب زراعتهم لنبتة الكوكا.
معوّقات قانونية
وبخلاف المزارعين الذين يحصدون أوراق الكوكا، وهي المكوّن الرئيس لمادة الكوكايين، فإن منتجي الماريجوانا من أمثال لوبيز يتحرّكون نحو منطقة أكثر غموضا. وتم تجريم تعاطي الماريجوانا في البلاد سنة 1994، وبامكان أي مواطن كولومبي حصاد عشرين نبتة كحد أعلى لصالح استخدامه الشخصي. غير إن بيع النبتة يبقى غير مسموح به من الناحية القانونية خارج مجال صناعات الدواء والأنسجة، التي تعد غير متاحة للمزارعين الصغار، من أمثال لوبيز. وفي الواقع، فإن لوبيز تعلق بالقول أن “الأمر يثير بعض السخرية، فلك أن تتصوّر نفسك مزارعا في بلد لا يعتبر زراعة العنب غير قانوني، وشرب النبيذ كذلك، لكن صناعة النبيذ جريمة.. هذا ليس منطقيا”.
أما الرئيس الحالي للبلاد، “غاستافو بيترو”، فقد أعلن عن سياسات متشددة قبل استلامه لمنصبه؛ فأثناء حملته الانتخابية، تعهّد بحظر الاستئصال الإجباري لحقول الكوكايين، وإنشاء سوق قانونية للماريجوانا الترفيهية بشكل يسمح للمزارعين الدخول إلى السوق الرسمية. غير إنه في العشرين من حزيران الماضي، وبعيدا عن ما كان مقررا، لم يتم تمرير إصلاح دستوري لجعل تجارة الماريجوانا عملا قانونيا مشروعا، فسقط مشروع القانون بفارق صوت واحد، وهو من بين عدة إصلاحات دعمها الرئيس بيترو التي لاقت الرفض داخل البرلمان هذا العام.
وبالنسبة إلى “خوان لوسادا”، النائب عن الحزب الليبرالي وأحد الموقعين على المقترح، شعر وكأن الأمر يشبه خسارة مباراة نهائي كأس العالم عند الوصول إلى مرحلة ضربة الترجيح الأخيرة، ويلقي لوسادا باللائمة على حكومة بيترو لعدم تحفيزها لتشريع الإصلاح بالقوة الكافية داخل البرلمان، لكنه يشير إلى أن وصول التشريع لمرحلة التصويت النهائي يبقى يمثل انجازا عظيما. وعلق هذا النائب بالقول: “بطبيعة الحال، لست نادما على شيء! فالاصلاح الدستوري يمثل الطريق الصحيح، وسوف نعود إليه، ولدينا أسابيع حاسمة قادمة أمامنا لاستيعاب من هو الذي يمكن أن نعوّل عليه، ومن بمقدوره مساعدتنا لتحقيق أهدافنا”.
وستشهد البلاد انتخابات محلية بحلول نهاية شهر تشرين الأول المقبل، ما معناه أن معظم النواب سيقضون فصل الخريف في خوض حملاتهم الانتخابية من أجل كسب حلفاء محليين، ويشعر النائب الليبرالي لوسادا وكأنّما الزمن يمضي لتقديم إصلاح دستوري جديد قبل مغادرة زملائه لمواقعهم. ويقول المعترضون على مشروع الماريجوانا القانونية، مثل زعيم الجناح اليميني المعارض “جيرمان فارغاس ليراس”، أن العشبة القانونية ستعمل على تحفيز المزيد من الناس على تعاطي المخدرات، وتحتفي بانهيار آخر الجهود التشريعية.
لسنا مهربي مخدرات
مع حلول ساعات الليل الأولى، تتم إنارة التلال الواقعة في “مثلث العشبة الضارة” لمقاطعة كاوكا الكولومبية بآلاف المصابيح الشديدة الكثافة، حيث تستخدم هذه المصابيح لتسريع إنضاج الشتلات من خلال ديمومة وجود الضوء في المزارع. وتشتهر بلدية كالوتو، حيث تقع مزرعة لوبيز، ضمن واحدة من خمس بلديات، بانتاج الماريجوانا. ومن الصعب مطابقة الأرقام، لكن فريق لوسادا يعتقد جازما بأن أكثر من ثمانين بالمئة من ماريجوانا البلاد تأتي من هذه البلديات الخمس.
وتحتوي بعض حقول الماريجوانا الضخمة على عشرات الآلاف من أصص النبتات الصغيرة، لكن أغلب المزارعين، وهم جزء من مجموعة لوبيز، يفضلون البقاء على حصة مقبولة محليا، لأن هذا الحال يسمح لهم بأن يكونوا جزءا من اتحاد العاملين الوطني، بغية تمثيلهم رسميا.
ويقول المتابعون لهذه الزراعة إن الحصاد بكميات صغيرة معناه بقاء الأسعار ضمن مستوى أعلى للقطعة الواحدة، لأن التركيز ربما سيكون على الجودة الأفضل والممارسات البيئية، وهذا مما تؤكده لوبيز، التي أشارت إلى صناعة النبيذ مجددا كمثال، وتعلق موضحة: “نحن نعلم بأنه بمجرّد ما يقر انتاجنا قانونا، سيكمن التحدي الحقيقي في جاذبية السوق، حيث إن العشبة العضوية هي المستقبل، ومن خلالنا نحن سيكون الشخص المتعاطي متيقنا من كون منتوجنا طبيعيا مئة بالمئة”.
وتأمل لوبيز بامكانية بيع منتوجها في السوق الرسمية خلال السنوات القليلة المقبلة، لكنها حاليا لا تزال تعتمد على القنوات غير القانونية في تسويق بضاعتها. ومع الحديث عن عدم قدرتها على توضيح التفاصيل الكاملة والكثيرة لكيفية بيع المحصول إلى المنظمات العالمية لتهريب المخدرات، بيد أنها أشارت إلى وجود شبكة من “المتجوّلين” يعملون في أرجاء منطقة كالوتو لشراء الزهور الجافة والحشيش من المنتجين.
“نحن لسنا مهربي مخدرات،” تقول لوبيز، مقرّة بأنها في المرة الوحيدة التي حاولت فيها تدخين منتوجها المخدر صارت لديها ردة فعل تحسسية جعلتها تشعر بحالة من عدم التوازن، وتضيف: “إذا كنت من المدمنين على المخدرات، هل سأتحدّث إليكم؟ هل سآتي إلى هنا لمقابلة مسؤولي الحكومة؟ الحقيقة هي، أننا على الرغم من كل شيء، ما زلنا نستطيع بيع منتوجنا إليهم، ولهذا السبب يمثل التشريع القانوني أمرا مهما للغاية.”
الخوف من العصابات
ووافقت لوبيز على الافصاح عن إسمها الحقيقي للصحافة، واثقة من أن الشرطة لن تلاحقها قضائيا لكونها مزارعة ماريجوانا فعلية، إلا إنها أعربت عن قلقها من أن كارتيلات المخدرات أو المنظمات الاجرامية ربما ستسعى إلى جعلها مثالا للآخرين، بسبب كونها بارزة في مجتمع المزارعين وتسعى لتحقيق جهود من أجل إحداث تغيير في منطقة تشهد حضورا إجراميا متجذرا بشكل كبير. ووفقا لمنظمة حقوق الانسان، فقد تم اغتيال 77 شخصية بارزة في الوسط الزراعي والتجاري لهذه المخدرات ضمن المجتمع الكولومبي خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام. ومن بين سبعة قتلوا خلال شهر حزيران الماضي، كان هناك أربعة قتلى من مقاطعة كاوكا.
يعتقد المزارع الشاب “لويس كوندا”، البالغ من العمر 31 عاما، أن الفائدة الأهم للتشريع القانوني لن تكون في الأمن، إنما في الأدوات. “لو كان عملي التجاري قانونيا، لكان بإمكاني إجراء اقرار ضريبي، والذهاب إلى المصرف، ووضع مدخراتي المالية ضمن حساب مصرفي بدلا من ابقائها كسيولة لدي تتلاشى مع الزمن، وفي النهاية سأتمكن من الاستثمار في العقارات،” يقول كوندا، وهو من بلدية ميراندا، القريبة من كالوتو.
وشأنه شأن الكثيرين من مزارعي كولومبيا، يقول كوندا أنه لا وجود لأي مستند قانوني لقطعة الأرض التي يزرعها، ويضيف: “لقد ورثت الأرض من أبي، وبالتالي فهي ملك لي، لكن لا توجد أية ورقة يمكنها أن تمنع أي فرد من التحرّك وأخذها مني”.
ويشير كوندا إلى عدم مقدرته إضفاء الطابع الرسمي على الأرض، أو حتى فتح حساب مصرفي، لأن مصدر دخله المالي غير شرعي، وهو عائق يشترك به مع المئات من بائعي الماريجوانا في الولايات المتحدة، الذين تم أيضا حظر حصولهم على الخدمات المصرفية المعتادة. ويعد مثال ازدياد أعداد الولايات الأميركية التي يكثر فيه استهلاك الماريجوانا حافزا دائما للنشطاء الكولومبيين، إذ شرّعت الولايات المتحدة استخدام العشبة الترفيهية خلال السنين الأخيرة، وكذلك الاوروغواي في أميركا اللاتينية.
المزيد من المعلومات
وتقول لوبيز بأنها تتواصل باستمرار مع مزاعي الماريجوانا في الاوروغواي، حيث تعتبر هذه العشبة الترفيهية قانونية لجميع المواطنين في هذا البلد وكذلك المقيمين ضمن مناطق سيطرة الدولة، في حين أن أعضاء البرلمان الكولومبي ينظرون صوب الشمال بدلا من الجنوب لدراسة وقائع التشريع المؤيد للنبتة المخدرة؛ ففي سنة 2021، ذهبت لجنة من البرلمان الكولومبي إلى دينفر لإستطلاع وفهم المزيد من التشريع المقر في ولاية كولورادو الأميركية، وكان من بين الذاهبين ميراندا، المسؤولة في وزارة العدل الكولومبية. أما السيناتور لوسادا، فقد طلب معونة مدير مكتب القنّب التابع لولاية نيويورك “كريس الكسندر” حينما صاغ مقترحه الاصلاحي الدستوري.
الشيء الآخر الذي يشترك به كل من ميراندا ولوبيز ولوسادا هو عدم تعاطيهم للماريجوانا. تقول ميراندا: “الأمر لا يتعلق بي أو بك للوصول إلى مراتب أعلى، وإنما هو امر يتعلق بالوضع الاقتصادي للمزارعين والمنتجين.” وفي كاجيبيو، أعلنت ميراندا إن الحكومة بصدد تقديم سياسة جديدة لتقنين وضع المخدرات “قريبا”، مع أفكار تتضمن خططا لتشريع مبيعات الماريجوانا من خلال تنفيذ القانون، في الوقت نفسه سيكون هناك دعم للتحركات التشريعية داخل البرلمان من قبل لوسادا.
مؤخرا، رحّب وزير العدل الكولومبي “نيستور اوسيونا” بقدوم ممثلي اتحادات مزارعي الكوكا والماريجوانا إلى العاصمة بوغوتا للإطّلاع على نتائج “النقاشات المفتوحة” في جلساتها الخمسة والعشرين، حيث أقيمت واحدة منها في كاجيبيو، وهي علامة على نيّة الحكومة للتحرّك قدما رغم الهزيمة التي منيت بها داخل البرلمان خلال شهر حزيران الماضي.
لوبيز، التي شاركت في اللقاء، لاقت الثناء على فكرة الحديث المباشر وجها لوجه بين منتجي المخدرات ووزير العدل، باعثة التفاؤل من أن النشطاء من مستوى القاعدة من أمثالها ربما يمكنهم إقناع النواب بدعم تشريع وصولا إلى المراحل النهائية له.
وكالة سي ان ان الاخبارية