مختصون يحذرون من مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي
العراق
2019/05/05
+A
-A
بغداد / هدى العزاوي
شكلت الثورة الالكترونية في ميدان التقنيات والاتصالات نقلة نوعية بخلق عوالم وعلاقات جديدة افتراضية وجدت حضورها الواقعي وفرضت إسقاطاتها على الواقع الاجتماعي، لتخلق في بعض المجتمعات ومنها مجتمعنا العراقي؛ حالة من الفوضى والتفكك الاسري دفعت المرجعية الدينية بما تمتلكه من حضور وتأثير، محلي واقليمي وعالمي، ومن منطلق التكليف الشرعي، والواجب الوطني والانساني، الى أن تجعل من مخاطر وتأثير مواقع “التواصل الاجتماعي” قضية محورية تناقش أبعادها في خطب الجمعة على مدى عدة أشهر.
يقول الخطيب والأستاذ في الحوزة العلمية فالح عزيز الموسوي: إن “من بين أبرز الإشارات التي تحدد المرجعية في ضوئها أهمية وخطورة الظاهرة أو الحدث لتسليط الضوء عليه في خطبة الجمعة؛ هي سيل الاستفتاءات التي تحاول الوصول الى الحكم الشرعي من عامة الناس بشأن تلك الظاهرة أو الحدث، أو من خلال المناشدات التي تصل الى المرجعية بضرورة التدخل، لإعطاء النصح والتوجيه”.
ويوضح الموسوي خلال حديثه لـ”الصباح”، بأن “خطر توظيف (مواقع التواصل الاجتماعي) يكمن في حجم التلاعب بثقافة المجتمع ونظمه وعاداته الاجتماعية ومتبنياته الأخلاقية، مما جعل المجتمع بمثابة (الدمية المسيّرة) التي يسهل توجيهها عبر الشبكة العنكبوتية وتمرير مخططات - أقل ما يقال عنها – إنها مقصودة لأجل تفكيك المجتمع وتمزيقه على أساس مذهبي أو سياسي أو حواري، وذلك عبر استغلال غرف الدردشة وبعض الصفحات الوهمية التي تتصدر عناوين خارجة عن محتواها الحقيقي في تقصي الحقائق ورصدها”.
وأضاف الأستاذ في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، أن “القرآن الكريم رصد مخاطر التطور التكنولوجي البشري في العصر الحديث وخصوصا في مجالات (الإعلام والدعاية والشائعات والمعلوماتية) قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، إذ قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)”، وأكد الموسوي، أن “تفوق الصناعة الإلكترونية وتقنية المعلومات لم تسهم - مع الأسف - في تحصين العقول أو تمكنها من رفع الخط البياني لوجدان المجتمع، إذ أصبح تطبيق التطور الالكتروني من قبل المجتمع تطبيقاً سلبياً، لذا فالمجتمع بحاجة الى بوصلة ترسم له معالم طريقه وتحدد له مساراته بعيداً عن الفوضوية، فما كان من المرجعية الا اتخاذ منصات الجوامع والحسينيات طريقاً لمعالجة مثل هذه
السلبيات”.
وقد أعلن (مركز الاعلام الرقمي) في وقت سابق أن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بلغ 19 مليون شخص، وأوضح المركز في تقريره السنوي الذي تصدره كل من منصتي We are social وHootsuite أن عدد من يستخدم هذه المواقع من خلال أجهزة الهاتف في العراق 18 مليون شخص، بزيادة مليون مستخدم عن العام 2017.
وأكد المركز، أن عدد مستخدمي الانترنيت في العراق هو 19.68 مليون شخص بزيادة 680 ألف شخص عن العام 2017، وكشف التقرير السنوي عن وجود 3.484 مليار مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي في العالم و3.256 مليار مستخدم لهذه المواقع عن طريق الهاتف.
التوظيف السلبي
“يمثل الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي انتهاكا للقواعد الدينية من حلال وحرام” بهذه العبارة استهل حديثه لـ”الصباح” استاذ علم الاجتماع الدكتور
محمد عبد الحسن.
وأضاف، أن “مخاطر الاستخدام السيئ أعم وأوسع تأثيراً وقد تصل في بعض مدياتها الى قتل بعض الأشخاص، أو تسقيطهم اجتماعياً، الأمر الذي يؤدي الى استبعادهم عن ساحة الفعل الاجتماعي وذلك يمثل بالتالي قتلاً لهذا الانسان، وبمثابة أذى وتحطيم لمجمل حلقة العلاقات العائلية والاجتماعية للإنسان المستهدف، لذا كان في أغلب خطب المرجعية الأخيرة التأكيد على ضرورة التحري والتقصي، وعدم التسرع في إعطاء الاحكام أو المشاركة في الأخبار، إذ تريد المرجعية خلق مجتمع واع، ملتزم يعرف حجم المسؤولية وخطورة الكلمة وأثر هذه الكلمة في صيرورة البناء
الاجتماعي”.
ولفت الدكتور عبد الحسن، إلى أن المرجعية تريد أن توصل رسالة الى عموم المستعملين لمواقع التواصل الاجتماعي؛ مفادها أن (هذه الوسيلة بذات الوقت الذي تكون فيه عنصرا للتواصل والافادة يمكن أن تكون عنصراً للخراب والتخريب الاجتماعي، وإن وسائل التواصل ينطبق عليها جل الأحكام المتعلقة بالتعامل بالتي هي أحسن، والحفاظ على حرمات الناس، وعدم نشر
الرذيلة أو الفاحشة، أي ان هذه الوسائل لها أحكامها التي يجب أن تتمحور حول مفردة لا ضرر ولا ضرار، وإن الانسان سوف يحاسب أخروياً ودينياً فضلاً عن كونه قد يكون عرضة للمحاسبة والعقاب الاجتماعي والقانوني في الحياة
الحالية).
ويعود أستاذ الحوزة العلمية فالح الموسوي ليختم حديثه لـ”الصباح”، بالقول: إن “منظومة القيم ورصيد المجتمع الديني وإرثه الثقافي وثروته المعرفية كلها في خطر إذا بقيت الشاشة الصغيرة عبر الهاتف أو الحاسوب هي المصدر الرئيس لمعلوماته من دون أن تخضع تلك المعلومات لفلترة تخصصية مناسبة، ولعل ما نلحظ من انحطاط كثير من شبابنا في وحل المخدرات وارتمائهم في مستنقع الجنس وميل بعضهم إلى الانتحار وانجرار الآخرين نحو الفتن والشبهات العقائدية والفكرية فضلاً عن انسياقهم وراء الدجالين، كل ذلك نموذج يعكس حجم الأزمة ومستوى الخطر الكامن وراء التوظيف السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي”.
قانون الجرائم المعلوماتية
عضو مجلس أمناء هيئة الإعلام والاتصالات سالم مشكور، أكد في تصريح خاص لـ”الصباح”، أن “التطور التكنولوجي الذي حدث خلال السنوات الماضية أبرز حاجة ماسة لقانون ينظم ولا يقيد، لذا فإن (قانون الجرائم المعلوماتية) الذي تجري مناقشته في مجلس النواب - مع الأسف - كان شديد القسوة وجرت كتابته في ظروف معينة كان يمر بها البلد آنذاك”.
وأضاف مشكور: “إننا نحتاج الى قانون ينظم ويصون الحريات بما لايؤدي الفوضى والجريمة، وقانون الجرائم المعلوماتية بنسخته الحالية لن يمرر إذا لم يتم تعديل بعض مواده والتخفيف من حدته غير المبررة لأن هناك خلطا بين أنواع الجرائم التي لا تستحق أن تصل عقوبتها الى السجن المؤبد، لذا كانت هناك عدة مقترحات مقدمة لتعديل مواد هذا القانون ومراعاة العدالة في سن القوانين، كما يجب أن يكون هناك تثقيف لمكافحة الأمية الالكترونية من خلال المؤسسات التعليمية بمواد هذا القانون وبتفاصيله، فلا يمكن التركيز على معاقبة من يرتكب الجريمة بدلا من توعيته ومنع حدوث الجريمة”.
رأي قضائي
ومن جانبه، أشار القاضي ناصر عمران في حديثه لـ”الصباح”، إلى أن “العوالم الافتراضية اختطت علاقات خاصة وسلوكيات محرمة اجتماعياً ومجرمة قانونياً، ولكن بسبب التطور التكنولوجي أصبحت القوانين النافذة قاصرة عن تنظيمها على المستوى المدني، لذا نحن بحاجة الى تشريعات مدنية تنظم العلاقات داخل المجتمع برؤى جديدة تتناسب مع الشبكة العنكبوتية ومتغيراتها “، لافتاً إلى أن “الاستخدام السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي بدت آثاره واضحة في عالم الجرائم التي تجد لها في قانون العقوبات حصراً وتطبيقاً؛ خاصة بما يتعلق بقضايا التشهير والسب والقذف والابتزاز الالكتروني والاحتيال التي كان سببها تلك المواقع التي باتت مسرحاً متكاملاً للجريمة”.
ويؤكد عمران، أن “الجانب التحقيقي في الدعوى الجزائية بحاجة الى أدوات اثبات وطريقة عمل جديدة تتجاوز الأدلة والقرائن المرتهنة بالإجراءات الشكلية، وان تشرّع قوانين جديدة تستوعب وجود وسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، أما على المستوى الجزائي فإن مشروع (قانون الجرائم المعلوماتية) هو خطوة بالاتجاه الصحيح لتحقيق التوازن الجديد الذي فرضته وسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي كافة للحد من ظاهرة الابتزاز الالكتروني”.
أسباب ومسببات
ويكشف مدير الشرطة المجتمعية العميد خالد المحنا في تصريح خاص لـ”الصباح”، عن “تزايد عدد ضحايا جرائم الابتزاز الالكتروني مع اتساع استخدام شبكة الانترنيت وانتشار الاجهزة الذكية، لذا فقد شرع مركز بحوث ودراسات الشرطة المجتمعية بعمل دراسة بحثية اعتمدت على 2864 مواطناً طرحت عليهم عدة اسئلة لاستبيان آرائهم حول نسبة ما يشكله عدد النساء وعدد الرجال من ضحايا
الابتزاز”.
ويضيف العميد المحنا، “لقد اتضح من خلال هذه الدراسة، أن المشاركين في البحث يرون أن نسبة النساء المتعرضات للابتزاز تشكل 66.7 بالمئة، بينما يشكّل الذكور 5 بالمئة، فيما أكد 28.3 بالمئة أن كلا الجنسين معرضان للابتزاز بنفس القدر”، لافتاً الى أنه “بحسب الاستبيان فإن حوالي 31.7 بالمئة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لا يعرفون كيفية تأمين حساباتهم الالكترونية و51.7 بالمئة يعرفون كيفية تأمين حساباتهم و16.6 بالمئة غير متأكدين من مدى معرفتهم بكيفية تأمين الحسابات”.
ويؤكد العميد المحنا، أن “43.9 بالمئة ممن استطلعت آراءهم من مستخدمي هذه المواقع طالبوا برفع مستوى العقوبة و37.3 بالمئة طالبوا بنشر الوعي الثقافي والتوعوي للحد من الجريمة ومنعها قبل حدوثها، بينما اختار 18.8 بالمئة أن تكون هناك سرعة استجابة من قبل الجهات المختصة”، وبين أن “هناك نسبة لا يستهان بها من المواطنين لا يلجؤون للجهات الرسمية في حالة تعرضهم للابتزاز”، ويختم بالقول: إنه “لخفض معدلات ضحايا الابتزاز، ستستمر مديرية الشرطة المجتمعية بحملات توعوية لمستخدمي المواقع الالكترونية والمطالبة برفع مستوى العقوبة لمرتكبي جريمة الابتزاز الالكتروني ضمن (قانون الجرائم الالكترونية) المزمع تشريعه”.
إجراءات عقابية وتوعوية
وبالعودة إلى الرأي القضائي، أكد القاضي ناصر عمران خلال حديثه لـ”الصباح”، أن “التشريعات القانونية - المدنية منها والجزائية - هي ضرورة ملحة للسيطرة على الجرائم التي تكون مواقع التواصل الاجتماعي هي الأداة المستخدمة فيها، وان ضابط الردع هو إجراء عقابي، لذا فإننا بحاجة الى إجراءات وقائية تتمثل بإعادة تأهيل للمنظومة الاجتماعية بشكل يرتقي بالأخلاقيات الانسانية ويحدد الدور الاجتماعي لمعالجة الظواهر السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، وتعريف المجتمع بالجوانب السلبية المحرمة والمجرمة لكي يتم تركها، إضافة الى تشريعات ثقافية واقتصادية واجتماعية”، مبيناً أنه “ولزيادة الوعي، فإن الدور الكبير هنا يقع على عاتق المرجعيات الدينية والاجتماعية والعشائرية والمؤسسات الثقافية والفعاليات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني بتحقيق ذلك”.
واختتم القاضي عمران حديثه بالقول: “نحن بحاجة الى تشريعات تنظم وتحد من إسقاطات الاستخدام التقني لوسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي الذي جر الى ويلات ومآس كثيرة، كما أن الضرورة تقتضي الاهتمام بجيل الشباب الأكثر تعرضاً للجرائم المرتكبة إلكترونياً والأخذ بيدهم برؤية حياتية
جديدة”.