بدور العامري
يعيش أغلب أطفال التوحد وذويهم في حالة من الضياع في ظل غياب مراكز ومعاهد علاج وتأهيل أطفال التوحد الحكومية، خاصة أصحاب الدخل المحدود والطبقات الاجتماعية الفقيرة، إذا علمنا أن التكاليف المطلوبة في المعاهد الاهلية لا تقل عن 200 ألف دينار شهريا.
مشاريع ربحية
ام زينب 38عاما موظفة وأم لطفل توحدي، يبلغ من العمر سبعة أعوام تقول "تنقلت بين خمسة مراكز ومعاهد في بغداد، لغرض إيجاد العلاج لولدي محمد، الذي يعاني من فرط الحركة وتشتت الانتباه وصعوبات التعلم"، وهي سمات توحدية بحسب طبيب الأعصاب الذي شخص حالة محمد قبل عامين، ونصح بضرورة الحاقة بمركز تأهيل للتوحد، وتضيف أم زينب "إلا أنها وبعد تجربة عدد من تلك المراكز توصلت إلى نتيجة محبطة، وهي عدم توافر الخدمات التي يحتاجها مصاب التوحد في هذه الأماكن، التي تنطبق عليها تسمية (المشاريع الربحية)، لأنها تمثل مراكز لجني الأموال مقابل توفير العاب بسيطة للأطفال، بغض النظر عن تطور الوضع الصحي والوضع برنامج علاجي كما هو معروف ونسمع عنه في معاهد التأهيل في باقي بلدان العالم والدول المجاورة على اقل تقدير.
إهمال حكومي
تعتبر مسألة الدمج الاجتماعي من اهم التحديات التي تواجه الطفل المصاب بالتوحد وذويه، نتيجة لغياب المؤسسات الفاعلة والأدوات الحقيقية في البلاد، وفي مقدمتها مراكز ومعاهد التأهيل والتدريب، تساءلت أم زينب عن سبب إهمال الجهات الحكومية لهذه الشريحة من المجتمع، وكأنها لسان حال آلاف الأسر: هل من المنصف أن يكون بلدا غنيا، ولديه ثروات طبيعية، وهو أول من كتب القوانين، كي تحفظ حقوق الانسان وحفظ كرامته أن يفتقد لمؤسسات صحية علاجية وتأهيلية وتربوية رصينة مختصة بمصابي التوحد؟ من جانبه تحدث المواطن محمد الراوي 43 عامًا من سكنة محافظة الانبار عن معاناته مع مرض ولده التوحدي مصطفى، وكيفية تحمل عناء وتكاليف السفر بشكل متكرر إلى بغداد لغرض مراجعة الأطباء، الراوي طالب الجهات الحكومية إلى الالتفات إلى هذه الشريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل على إيجاد مركز أو معهد حكومي متخصص لعلاج التوحد في كل محافظة مع وجود أقسام لمتابعة هذه الحالات في كل مركز صحي.
رقابة ومتابعة
لا تتوفر في العراق حتى الآن إحصائية رسمية دقيقة حول اعداد الأطفال المصابين بمرض التوحد، ولا توجد مراكز حكومية متخصصة لعلاج المرض، وبحسب آخر التقارير الصادرة عن مؤسسات صحية غير حكومية تشير إلى عدم وجود مدارس حكومية أو معاهد متخصصة بهذه الفئة، انما يقتصر الامر على انشاء مراكز ومعاهد خاصة، وهي لا تخضع باي حال من الأحوال إلى مراقبة الجهات الحكومية في البلاد، المختصة بمعالجة اضطراب التوحد، ومشكلات النطق وبطء التعلم، شهد محمود نبهت إلى أن أغلب المعاهد الأهلية العاملة في العراق حاليا، تفتقد إلى الاختصاص والخبرة الحقيقية في معالجة مرض التوحد، والبعض الكثير منها يعمل بكوادر غير مهنية، أو تحمل شهادات بعيدة كل البعد عن اختصاص معالجة ذوي التوحد، كأن تكون خريجة تربية أو معاهد مهنية أخرى، الامر الذي تسبب بتفاقم المشكلة وليس إيجاد الحلول. وفي السياق نفسه طالبت محمود الجهات المختصة مثل وزارة الصحة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بضرورة التنسيق والتعاون مع مراكز العلاج والتأهيل العالمية الرصينة بهدف تدريب الكوادر الصحية والعاملين في هذا المجال.
مشكلات التعليم
لم تقف المشكلات التي يعانيها أطفال التوحد عند قلة الأطباء والمختصين ومراكز العلاج والتأهيل، إنما هي سلسلة متصلة الحلقات ومنها عملية التعليم عند هذه الفئة الخاصة، اذ تروي أم منتظر قصة ولدها الذي يعاني طيف التوحد، وكيفية حرمانه من إتمام دراسته بعد إن كان بمستوى جيد، وهو طفل ذكي على حسب تعبيرها، لكن الأمور تغيرت بعد أن واجهته مشكلة أثناء تأديته للامتحانات الوزارية في الصف السادس الابتدائي، فقد كان يسأل المعلم المراقب كثيرا بسبب تشتت الانتباه وبطء الكتابة، فقام أحد المعلمين بتوبيخه، مما سبب له صدمة نفسية، وبالتالي ترك تكملة باقي الامتحانات، وبحسب التربوي كرار السماوي أن "الحلول الحكومية في مجال تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، بقيت ناقصة ولم ترتقِ إلى مستوى حجم المشكلة، اذ عملت وزارة التربية على فتح صف خاص لاستقبال مثل هكذا حالات، في عدد من المدارس ضمن الرقعة الجغرافية للمدن والأقضية، إلا أن هذه الصفوف وبحسب السماوي تفتقد إلى الاهتمام الحقيقي من ناحية توفير المستلزمات التعليمية والمنهج الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، اذ يرى التربوي كرار أنه من الإجحاف بحق هذه الفئة من الاطفال اقحامهم بمنهج يعطى للتلاميذ الاعتياديين، دون مراعاة للوضع الصحي والنفسي الخاص لذوي التوحد.