الأدب السيئ والصورة المغايرة لمجتمعاتنا

منصة 2023/09/11
...

 ضحى عبدالرؤوف المل

ان اللحظة الإنتاجية في دور النشر هي اللحظة الحاسمة في اتجاهات الأدب الروائي أو القصصي بنسبة ضئيلة،  والشعري بنسبة أقل، لأن أبواب الجوائز مشرعة على ربح يميل إلى نوعية معينة من السرد، منه ما يهتم باللحظة الراهنة في المجتمع سياسياً للأسف، كروايات الحرب السورية التي لم تثمر من الأدب الروائي الجيد إلا القليل،  ورغم ذلك شهدنا له فورة وغليانا جعلت للبعض شهرة ما لبثت أن أنطفأت بعد فترة من زمن بطيئة نوعا ما.
لكنها تمثل شهادة على التجارة بالأحداث التي تطرأ على الأوطان من خلال الأدب،  وان اخطأنا التحليلات وجاءت كالصاعقة فيما بعد.
اذا كان التقييم الروائي هشاً. فالعلاقة بين الأدب والمجتمع لا تحكمها الجوائز، ومتطلبات الرأي العام بل تحتاج إلى جودة الفكر المتقد الذي يرى يحلل بعمق،  ومن ثم يكتب أو يحاول فتح الاسقاطات على الماضي الذي يتكرر سياسياً في كثير من التفاصيل،  كما هي الحال في رواية “الأدميرال لا يحب الشاي” للروائي نزار عبدالستار وشركة الهند الشرقية، و”أرض الرحل” وإن كانت اميركا تهتم بالمجتمع الأميركي، إلا أن “جيسيكا برودر” نجحت في تحفيز القارئ للاهتمام بتفاصيل حياته في مجتمع تتآكل فيه الإنسانية، بما يخص الكهولة والشيخوخة وجغرافية الأمكنة التي يمكن لها أن تكون حضارات لم يكتشفها أحد، وأيضا رواية الكاتب حسن داوود الأخيرة “فرصة لغرام أخير” والتي تشكل اعترافا صريحا بحاجة العجائز للحب والعيش في مأمن من الكفاية الصحية والاهتمام الذي يجب أن تؤمنه الدولة لأشخاص قدموا للمجتمع من شبابهم ما يكفي .إذ يجب على الكاتب أن يربط بين الأدب والمجتمع من خلال الكثير من العناصر التي تخدم الانسان أولا قبل أن تكون الرواية هي صورة مشوهة عن أحداث أدت إلى تصدع في دولة ما ، كما ان الحيادية في الأدب هي ابراز الوجه المخفي لتفاصيل لم نرها في الزمن الذي واجهنا فيه الكوارث مثل روايات الحرب اللبنانية بمصداقيتها كافة دون استثناء. ومنها عروس الخضر للروائي “الياس العطروني” فهل يمكن للرواية أن تحاكم كاتبها بعد انتهاء الأزمة في مجتمعه؟ وهل هي الشاهد عليه أو الشاهد ضده؟  بما معناه أن تكون الوثيقة المزيفة التي لم تكن صادقة في رؤاها الروائية وبقيت مقفرة مهجورة بعد انتهاء الأزمة .فهل يمكن ممارسة الحرية الروائية  الصادقة في العلاقة بين الأدب والمجتمع؟ أم أننا نتبع دور النشر بأجنداتها الانتمائية وتوجهاتها الأدبية وأهدافها في ربح الجوائز؟ وهل المدينة الفاضلة في الأدب الروائي باتت افلاطونية عند الكاتب الحديث؟
بعض الروايات التي تشتهر ومن ثم تموت وتندثر، بل ويموت كاتبها أدبياً حتى لا نجد له أثراً بعد ذلك. فهي بمثابة فترة تشويهية لحدث ما غير متوقع، ومن المؤكد ليست كرواية 1984 بعمقها الأدبي والاجتماعي والسياسي،  وغير ذلك من التصنيفات التي تستحقها،  وليست كرواية “ واحة الغروب”  للروائي”  بهاء طاهر”  التي تستمر من جيل لجيل لمصداقيتها في تعليل الكشف عن النفس عبر الترحال في الصحراء،  والكثير من التفاصيل الأخرى،  كالكشف عن قيمة الآثار المصرية والبحث عن الكنوز المدفونة دون الاساءة أو الطمس للحقائق أو الاستخفاف بسكان الصحراء وتقاليدهم، بل بتمجيد يجعلنا نتصور وجودهم المادي في مصر واهميتهم. فهل يمكن أن تجسد فورة الأدب السيئ في العصر الحديث صورة مغايرة لمجتمعاتنا التي تئن بمتناقضات تحتوي على أحداثنا الحالية،  ولكن بعيداً عن المصداقية والمحايدة والبحث عن صورة روائية تستمر وتبقى خالدة كالكثير من الروايات التي اثبتت استمراريتها عند القراء ولم تندثر كغيرها؟ أم أننا سنحرر أنفسنا من اجندات النشر التي يهتم لها الكثير من الكتاب للانتماء إلى دور نشر مشهورة بعيداً عن التحليل العميق والرؤية الجوهرية لبناء المجتمعات ومحو سلبياتها في المستقبل الذي ننشده؟