سرور العلي
يبدو الشاب حسن عباس هزيلا، ومنعزلا عن العالم الخارجي، وفاقداً للشهية ويداه ترتجف، غاضباً في أحيان كثيرة، ويبقى من دون نوم لعدة أيام، وكل ما يعانيه هو بسبب تعاطيه مادة “الكرستال”، أحد أنواع المخدرات التي أخذت بالانتشار بالعراق في السنوات الأخيرة. وكان عباس يرافق أصدقاء السوء وممن يتناولون تلك السموم، دفعته الرغبة والفضول لتجربتها معهم، لينجرف بعدها نحو طريق الهاوية، وكونه عامل بناء بأجور يومية، فقد خصص هذا المبلغ لشراء هذه الممنوعات.
الخطر الكبير
برغم من الجهود التي تبذلها مديريات مكافحة المؤثرات العقلية، إلا أن الظاهرة أصبحت متفشية بين صفوف معظم الشباب العراقي، وتندد بالخطر الكبير، لذا قرر بعض المدمنين إلحاق وإصلاح ما تبقى من أجسادهم، من خلال الذهاب إلى مستشفى “العطاء لعلاج الإدمان والتأهيل النفسي”، ليعودوا إلى منازلهم متعافين، نادمين على ما اقترفوه بحق صحتهم، وما عانته أسرهم من قلق وخوفاً عليهم.
تأسس مستشفى العطاء عام 2020 أيام جائحة كورونا، بجهود دائرة صحة بغداد/ الرصافة، ووزارة الصحة العراقية، وبدور كبير لسرايا السلام المتمثلة بالقائد العام الحاج ابو مصطفى الحميداوي، وبمباركة السيد مقتدى الصدر، وبعد انتهاء الجائحة كانت التفاتة مهمة لتحويلها إلى مستشفى لعلاج الإدمان، ولتزايد نسبة الشباب الذين يقبلون على السير بذلك الطريق، وكان هذا التحول عام 2022.
مستشفى العطاء
يؤكد د.مصطفى علي الساكني، أخصائي أمراض صدرية وتنفسية ومديراً لمستشفى العطاء:
إلى أن هناك عدة إجراءات تتم لإدخال المدمنين إلى المستشفى، تكون بأن يحضر الشخص المدمن مع أحد من أفراد أسرته، وجلب البطاقة التعريفية له ولذويه، وإدخاله للعيادة الاستشارية، ومراجعة الطبيب المختص بعلاج الأمراض النفسية والإدمان، ثم يذهب إلى المختبر لفحص السموم في جسمه، ويكون عن طريق فحص الإدرار، وأيضاً عمل تحاليل الدم وباقي فحوصات ووظائف الجسم والغدد، كون المواد المخدرة تؤثر في الأعضاء كافة، ثم يقرر الطبيب المختص إن كان المدمن بحاجة إلى الرقود في المستشفى أو لا، ومن الجدير بالذكر فإن العلاج والدخول وجميع الإجراءات تكون مجانية، وأن تقرر البقاء فسيكون المدمن في ردهة خاصة لمدة اسبوعين، فيتم خلالها سحب السموم من جسمه، وتلقي العلاج ويأخذ جلسات تأهيل نفسي.
كما يتواجد باحثون واخصائيون اجتماعيون يخرجون مع المرضى للساحة في المستشفى، ليمارسوا الرياضة ككرة القدم، والسلة، والطائرة، وبعد قضاء تلك الفترة يخرج المدمن إلى منزله، ويبقى حضوره للمستشفى أسبوعياً، لعمل الفحص مرة أخرى، وإعطاء العلاج ومتابعة حالته على الأقل لمدة ثلاثة أشهر، وهناك قوات أمنية مشددة في المستشفى، لمنع أي اختراق أو دخول مواد ممنوعة، لأن التجار عادة ما يحاولون إدخالها بشتى الطرق، وكما يحصل في بعض السجون.
أما بشأن العلاجات للمدمنين فهي نفسية بدرجة كبيرة، لتقليل الاكتئاب والاضطرابات التي تحدث بعد تراكم المادة المخدرة، بالإضافة للدور المهم للتأهيل النفسي والرياضة، والمتابعة المستمرة من قبل الطبيب المختص.
وأوضح الساكني أن نسبة الدخول يومياً من 40 - 50 حالة للعيادة الاستشارية، وتوجد سعة سريرية ب 50 سريرا، وهناك طابقان في مرحلة التأهيل سيتم افتتاحهما قريباً، لتصبح السعة من 150 - 200، ونسب الشفاء من 70 - 80%، كما أن معظم المرضى هم من المحافظات وليس فقط من بغداد، بينما بينت الفحوصات أن 90% هي مادة كرستال، و10% بين الحبوب والكحول.
تجارة مربحة
د. عز الدين المحمدي، دكتوراه قانون جنائي، ومستشار ورئيس قسم الدراسات القانونية لبيت الحكمة يبين “في الحقيقة أن تلك آفة كبيرة أصبح لها تأثير سلبي على فئتي الشباب والمراهقين في كل دول العالم، لكن في العراق انتشرت بشكل واسع ومخيف، ومن المعروف أن قبل عام 2003 كان العراق خالياً من المخدرات، لأن هناك عقوبات صارمة تصل إلى الإعدام لكل شخص سواء كان يتاجر أو يتعاطى، لكن اليوم نلاحظ أن المخدرات أصبحت ذات نشاط واسع، لا سيما أن هناك الكثير من المتنفذين، هم تجار لها بخاصة من دول الجوار ينقلونها إلى البلاد، ولا ننكر أن هناك حتى طلبة مدارس وجامعات مجندين، لتوزيعها ونشرها بين زملائهم، وهي كثيرة واستخداماتها متنوعة، والشباب هم أكثر فئة مستهدفة، وتسبب بفقدان العقل والنشاط والحيوية والخمول، وبرغم من أن هناك مديريات لمكافحة المخدرات في عموم العراق، وهم يقومون بجهود كبيرة، ولكن تجارة المخدرات وإدخالها عن طريق مسلحين ومنتفذين، وبذلك فهي غير قادرة على الوقوف أمام هذا النشاط وردعه بشكل نهائي، وكما نعلم أن تلك التجارة مربحة جدًا في العراق، وتأثيراتها كثيرة
وسلبية.
خطط وتكاتف
ولفت إلى أن المدارس والمعاهد والجامعات أصبحت اليوم محال لترويج المخدرات، واستقطاب الشباب من كلا الجنسين، لذلك فمن المفترض أن تكون الدولة لها الإرادة القوية بالوقوف بوجه هؤلاء التجار، كونهم يقومون بهدم بنية المجتمع والقوى البشرية الشبابية والأسر العراقية، وإن لم تكن هناك خطط تقوم بها الدولة سنصل إلى مجتمع مريض بالمخدرات، وفاقداً لحيويته بعد مرور سنوات، ويجب أن يكون هناك تكاتف من قبل المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والإعلام والتربية، لمحاربة كل من يروّج لهذه التجارة، والتعاون المثمر من أجل إيقافها ووقاية الشباب وتثقيفهم وتوعيتهم بخطورة المخدرات والأثر السيئ الذي ستتركه عليهم، حتى يتجنبها، ويكونون محصنين، وكذلك ضرورة علاج وتأهيل المتعاطين من خلال المؤسسات الصحية، ويعادون إلى المجتمع متعافين.