تفاؤل مشوب بالحذر

اقتصادية 2023/09/11
...

محمد شريف أبو ميسم

كلُّ التقارير الصادرة محلياً تؤكد أنَّ الاقتصاد العراقي يتعافى شيئاً فشيئاً برغم الاختلالات الهيكليَّة التي رسّخت سلبيات الدولة الريعية والاقتصاد الأحادي الجانب، برغم العديد من المعوقات والموروثات التي أنجبتها مراحل التجاذبات السياسية أو تلك التي سبقتها.
فعندما تعلن وزارة الزراعة مثلاً في بياناتها عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في محصول الحنطة بإنتاج تجاوز 5 ملايين طن وفي إنتاج العديد من محاصيل الخضر برغم شحِّ المياه الذي أدى إلى تقليص المساحات المزروعة، فإنَّ في ذلك إعادةً للثقة بهذا القطاع. وحين يعلن عن 328 مشروعاً استثمارياً في القطاعات الخدمية والصناعية والصحية والترفيهية والكهربائية بكلفة تجاوزت 10 مليارات دولار أميركي، وأنَّ بعض هذه المشاريع دخلت مرحلة الإنتاج، فيما سيدخل البعض الآخر منها في 2024، فإن في ذلك خطوةً مهمة ستعيد الحياة لبيئة الأعمال وتؤسس لمرحلة تنموية كنا بانتظارها.
وبعد أن تم إصدار تعليمات تنفيذ الموازنة، صار في حكم المؤكد إطلاق تخصيصات الموازنة الاستثمارية وبدا واضحاً عودة العمل للمشاريع المعطلة منذ سنوات، فيما ساهمت إجراءات البنك المركزي والجهات الأمنية ذات الصلة بالرقابة التجارية والمالية في الشروع بسياسة إجرائية لضبط أسعار الصرف في السوق السوداء، وفي قطاع السكن، يتزايد الاستثمار بشكل واضح في مشاريع السكن العمودي، فيما يتوقع أن يكون عام 2024 عام الحصاد الأكبر للمشاريع الصناعية ومشاريع البنى التحتية بما يسهم في معالجة سوق العمل المتخمة بالأيدي العاملة العاطلة التي خلفتها سنوات الإرباك السياسي والمناكفات التي غذتها الإرادات الدولية. وهذا ليس إلا بداية لملامح تعافٍ، أملاً بالنهوض من كبوة الركود بالعمل الجاد وبخطوات ممنهجة باتجاه إصلاحات هيكلية واسعة النطاق كما جاء في البرنامج الحكومي، وهذا الرأي ليس إفراطاً في التفاؤل قدر الإيمان بإمكانية السير في هذا الاتجاه على وفق المتاح من مقومات داعمة للنجاح.  ومن هذا المنطلق بوصفنا شهوداً ومراقبين، نرى أنَّ ما جاء في تقرير البنك الدولي الأخير بشأن الاقتصاد العراقي، لم يكن دقيقاً في وصفه للنشاطات القطاعية، وربما كان له ما يبرره من دوافع لسنا على علم بها، ولكن تقديم ديون العراق على أنها 152 مليار دولار يعد أمراً في غاية الغرابة، فبحسب جهات رسمية فإنَّ "الدين العام الداخلي يقارب 71 تريليون دينار وهو ما يعادل 54 مليار دولار، فيما تقدر الديون الخارجية بنحو 30 مليار دولار"، الأمر الذي يرجح عنصر المبالغة كما جاء على لسان مسؤول حكومي أو ربما يؤشر لدوافع تستوجب الحذر.