قاسم موزان
التصحر بمعناه البحثي والأكاديمي يتلخص بزحف الأراضي القاحلة نحو المدن وينزع منها الرداء الأخضر ويستبدله بلون كثباني مغبر كثيف له أخطاره على المستويات الإيكولوجية والصحية والنفسية، أما التصحر الذي أعنيه في المقال فهو التصحر الخدمي الذي بات يسود الواقع المعاش في المعنى والتوصيف ولم تعد الترقيعات والإجراءات الشكلية تجدي نفعا في بنية بيئية تختزن الخراب والدمار، والمشكلات جمة بعضها موروثة من الأنظمة السابقة وهي تركة ثقيلة دون شك، والبعض الآخر يعد من مخرجات الاهمال المقصود لاحقا من قبل الجهات ذات العلاقة في إسداء الخدمات الاساسية للمواطنين الذين بات صوتهم أكثر وضوحا من ذي قبل، فالشجب الداخلي المخنوق لا يلامس آذان المسؤولين؛ لأن الحالات السلبية من شأنها أن تزيد تداعيات الازمات الحادة التي يواجهها الفرد.
أصبح الامر مألوفا بأن الازمة تنتج أخرى بحالة توالد تناسخي أشد فتكاً، عندما تترك دون معالجات معقولة في أقل تصور.. وتتصدر مشهد الازمات ملف الكثافة السكانية العالية في بغداد وارتفاع نسب النمو البشري غير المدروس خصوصا في المناطق ذات الطابع الشعبي المكتظ، والآيل للسقوط بفعل عوامل الزمن وبناها التحتية هشة، فضلا عن كونها بؤراً للأمراض؛ ما يتطلب في الوقت الراهن المزيد من العمل الجاد، فالأحياء تعاني من ضيق الشوارع الفرعية وتهالك شبكات الماء، والصرف الصحي، والكهرباء، وتشابك خطوط المولدات على بيوت اغلبها مصنوع من الخشب، ما يعرضها للتماس الكهربائي، بالإضافة إلى تراكم كمي غير مسبوق من النفايات حتى أصبح من المحال أن ترى خربة في الازقة تخلو من القمامة ما يصعّب من مهمة دخول عجلات النظافة اليها لضيق
الشوارع.
لذا بات من الضرورة احداث ثورة عمرانية لانتقالة سكانية كبيرة تنقذ الاهالي في الاحياء الشعبية من الواقع المزري الذي اضطروا اليه، وذلك من خلال انشاء مجمعات سكنية واستثمار الاراضي الواسعة المحيطة بالعاصمة وتوزيعها بين المواطنين بأسعار رمزية للشرائح الفقيرة وتوفير سكن لائق لهم يعوضهم عن سنيّ الحرمان، من خلال اعتماد ستراتيجيات تسهم في مجملها وتفاصيلها الكبيرة والصغيرة بحلول جذرية لمشكلات السكن، وتتمتع بمرونة عالية في التعاطي مع المشكلات الآنية العالقة باتجاه المستقبل، متجاوزة أخطاء التصاميم السابقة، وفق رؤية واعية للتطوير والازدهار، وبخلاف ذلك ستشهد بغداد كارثة بيئية لا يحمد عقباها مع تغيرات المناخ.. نأمل التغيير.