حازم رعد
النضال هو الوجه الاخر للصراع بدلالته السياسية، أي هو الحركية الدينامية السياسية مربوطة بنشاط الجماهير وفعلها الإرادي الذي ينشد تحقيق غايات وأهداف في الواقع السياسي.
والنضال هو الحراك الذي تقوم به الجماهير في مستويات مختلفة منها ما يكون ذا توجه عنيف واخرى هو حراك سياسي ذو صبغة قانونية وتارة يكون احتجاجيا سلميا باستخدام الشارع كوسيلة للضغط وتحقيق الغايات.
وسنعرض لكل واحدة من تلك المستويات بشيء من التشريح ليتسنى لنا نهاية الامر فهم وادراك اثر النضال في صناعة الدولة واصلاح مؤسساتها وغير ذلك.
قلنا إن النضال "الصراع" يأخذ اشكالا عدة نظراً لأن لا ضابطة تحكم صيرورة الحركة في الاشياء وهذا الامر ينسحب إلى فعل السياسة، حيث أن الظروف الراهنة والمناخ العام واللامتوقع يفرض وجوده بقوة فجائية ولذا يقال "إن اللامتوقع قد يأتي على المتوقع ويطيح به بشكل تام" ولكن هناك صورا نمطية اعتادتها الفعاليات الصراعية بشكلها النضالي لتحقيق اهداف ومقاصد تتعلق بالسلطة او نشاط السياسية تقع على رأسها الثورات العنيفة التي تعد حراكاً جماهيراً مرتبط بعقيدة وأفكار وقيادات لتحقيق تغيير جذري في الدولة والانتقال من شكل للحاكمية إلى آخر تجد فيه قوى الثورة النموذج الافضل أو الانسب كطريقة للحكم. ومن الاشكال ويضاف إلى ذلك الانقلابات العسكرية التي يفتعلها جزء من النظام للانقضاض على الوضع القائم والاطاحة به وتغيير مسارات العمل السياسي بهذه الطريقة العنيفة والتي تعد كفاحاً مسلحاً يهدف إلى صناعة الدولة ذات الطريقة الاستبدادية في التعاطي مع قضايا السلطة والسياسة وادارة الدولة، رغم السرعة القياسية في الوقت والتمركز والنتائج التي تفضيهما الثورات والانقلابات إلا أنها تحمل معها احتمالية كبيرة في استعمال العنف وهو ما لا ينسجم مع الطرق المعاصرة للنظم السياسة في تداول السلطة وبناء الدولة بشكل سلمي فالمتوخى هو الوصول إلى مرحلة من الوعي السياسي يمكن من خلالها الايقاع او الاطاحة بالسلطة دون اللجوء إلى العنف والدم وهذا هو المأمول من وراء ارساء معالم ثقافة الديمقراطية عبر الاجهزة والمؤسسات المختلفة.
إن الذي يلاحظ بعمق نسقية الحركة لهذين اللونين من النضال يجد انهما في جوهرهما صراع بين اطراف عديدة يختلفون في الرؤية والاستراتيجيات والاهداف، ولكن كل منهما ينشد فعل السلطة بأساليب مختلفة، تتجلى الطريقة الاولى باللجوء للطريقة البدائية للوصول إلى السلطة بينما الثانية تقف على النقيض من ذلك فهي تتبع اعتبارات الديمقراطية بوصفها افضل ما هو ممكن من نظم سياسية لتحقيق الدولة وصناعتها وبنائها وفي هذا المجال تحديداً لم يغب عن بال العديد من الفلاسفة ما للصراع من اثر واهمية في تحقيق نتائج وآثار على مستوى السياسة بل وفعل بناء الدولة والضغط باتجاه تحقيق تطلعات وطموحات فمثلاً يؤكد الفيلسوف الكندي ويل كمليكا في كتابه اوديسا التعددية الثقافية على "أن التعددية الثقافية الليبرالية على نحو ما تطورت في الغرب هي نتاج صراعات عديدة من انواع مختلفة من الجماعات العرقية الثقافية تتحرك من خلال مسارات قانونية وادارية مختلفة وليست كفاحاً موحداً باسم التنوع".
وأما الطريقة الثالثة فهي تعد من المجالات شبه السياسية وتنحصر في فعل الجماهير اي قيامها بنفسها عبر النشاطات المختلفة لإصلاح السلطة او للتغيير فيها وتطويرها من خلال الاحتجاجات السلمية والتظاهرات، أي باحتشاد الجماهير والنزول في الشوارع لرفض قرار ما او للمطالبة بتحقيق طموحات ترجوها الجماهير، والحجاج الجماهيري له مراتب ومراحل يتم التعبير عن مطالبه وطموحاته من خلالها تبدأ وتنمو بشكل تدريجي لتحقيق المطالب اما بشكل دفعي كامل او بشكل مرحلي تدريجي وفق قاعدة "خذ وطالب" ومن المعلوم أن هذا اللون من النضال "الصراع مع قوى السلطة" لا يعنى في اي معانيه العداء للسلطة وانما هو طريقة معاصرة من الرقابة الشعبية والنقد يستخدم السياق الجماهيري للضغط والتعبير عن الرأي والتغيير وهو طريقة ناجعة في البلدان الديمقراطية التي تقيم وزناً واعتباراً للجمهور "ففي عالم اليوم بعد أن طال التغيير قواعد لعبة السلطة وصار للجماهير التي كانت تعتبر بيادق لها حدود لا تتعداها في حركتها الصوت المسموع والقرار الحاسم في الدولة الحديثة، تقول الفيلسوفة الامريكية آين راند إن (البيادق يعلن عنها لتكون القطع الاكثر قيمة وغير المستهلكة لأنها قد ترمز إلى الجماهير).
ومن ذلك فان السائد في العصر الحالي هو أن الجماهير
هي حجر الزاوية في بناء
الدولة واصلاح السلطة فلذا هي مصدر السلطات والركن
الركين في اضفاء الشرعية للسلطة ورضاها مادة استمرار بقائها.