ايزابيل اوكيشوت
ترجمة: بهاء سلمان
قبل حلول نهاية آب الماضي، أصدرت المحكمة العليا في إسلام آباد قرارا بتعليق الحكم الصادر بحق رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة الفساد، وحصل خان على كفالة للإفراج عنه إلى أن يتم النظر في طلب الاستئناف، الذي تقدم به بشأن إدانته السابقة بتهمة الفساد والكسب غير المشروع من قبل محكمة أدنى.
في السجن كان عمران خان يحمل رقم 804، وقد اضطر للتعايش مع الجرذان الكثيرة التي تعجّ بغرف السجن. وفي أحدث تصرّف ملؤه الذكاء، تم تصوير عمران خان، لاعب الكريكيت العالمي الشهير سابقًا الذي تحوّل نحو السياسة، وكان يقف محدّقا عبر قضبان إحدى الزنازين، بأيدي متشابكة وكأنّه يؤدي صلوات صامتة.
وبعرض قطع متواصلة من أكثر لحظاته زهوًا حينما كان رئيس الوزراء الثاني والعشرين للبلاد مترافقة مع صور لسجن «أتوك» سيء الصيت في اقليم البنجاب، ضمن مقطع فديو دراماتيكي على وسائط التواصل الاجتماعي ويصف الشريط هذا الرجل بأنه شهيد يدفع ثمنًا باهظًا مقابل وطنيته. ووفقًا لمقدمة المقطع، كان خان، الذي أكمل دراسته في مدينة ورسيستر البريطانية والجامعية في اوكسفورد، قبل أن يصير نجمًا دوليًّا لامعًا بلعبة الكريكيت، ويقترن بامرأة بريطانية تنتمي إلى الطبقة الارستقراطية، كان قد «تخلى عن الراحة في حياته» ليتجه نحو «إيقاظ الأمة»، ويؤسس بكل إخلاص مستشفيات لمعالجة مرضى السرطان ويشن حملاته الانتخابية للدفاع عن الفقراء ومصالحهم.
خان معروف بشكل تام بتعليمه الباكستانيين «الدفاع عن حقوقهم والانتفاض ضد الطغيان،» والقضاء على «جميع العصابات المنظمة». «هذه تعد جرائم كبرى». يقول الراوي بشكل ساخر، مصوّرا خان بأنه تهديد لقوى الشر داخل باكستان التي أرادت إخراسه.
ميزة ايجابيَّة
ومع محاولة خان لتحديد كيفيّة إسقاط الحكم القضائي الصادر بحقه بالسجن ثلاثة سنوات بسبب الفساد، والذي يحظر عليه العودة إلى عالم السياسة لمدة خمس سنوات، انتشر مقطع الفديو بين الناس؛ فقد أخذ حيّزه على مواقع التيك توك والانستغرام والتويتر، وحصل على تحفيز هائل بسبب دعم متواصل من العديد من الناخبين، الذين لا يزالون يعتقدون بأن خان، الذي يقود حزب المعارضة الرئيس في البلاد، «حركة الانصاف»، يمثل الرد على الاضطراب السياسي المزمن للبلاد وويلاتها الاقتصادية والاجتماعية العميقة. هؤلاء الناس يسمونه «رئيس وزراء القلوب»، ويستنكرون سوء المعاملة التي يلقاها.
لم ينظر إلى إدانته على أنها تلحق الضرر بشخصيته، لكن هدف مقطع الفديو لم يكن فقط التوجه نحو الجمهور الداخلي، إنما تم تصميمه لفرض تأثير على أولئك الموجودين في الغرب، إذ إنّ المراقبين العاديين للمشهد السياسي الباكستاني المثير للحيرة بالإمكان مسامحتهم على افتراضات تشير إلى أن خان، على أقل تقدير، يجب أن يمثل أفضل شيء لقدر سيء كقدر الباكستان.
لقد حظيَ خان بتعليم انكليزي رفيع المستوى، ويبدو ذلك عليه ظاهرا، وهو مرتبط بشكل وثيق بالطبقات العليا للمجتمع البريطاني من خلال زواجه الأول من «جيمايما غولد سمث». ومن الطبيعي أن يتشارك مع البريطانيين في قيمهم؛ وهو محل ثناء البريطانيين لدخوله شؤون الحياة العامة حينما كان بمقدوره بكل بساطة التخلي عنها والاستمتاع بشهرته وثروته.
ونتوقف لدقيقة واحدة! للننظر من هو الشخص الواقف خلف شاشة الفيديو؟ فهل كان عمران خان يرحّب بفلاديمير بوتين، حيث كان الرئيس الروسي يحاول اطلاق سراحه فيما كان وابل القنابل يغمر سماء اوكرانيا؟، لقد تمكن مساعدوه المسؤولون عن تأمين تفسير الآخرين للأحداث وفقًا لمنظور محدد، من اختيارها لرجلهم على المستوى العالمي، فقد اختاروا هذه الصورة، فضلا عن صورة أخرى يلتقي فيها زعيمهم مع «شي جينبينغ»، رئيس الصين. يا له من خطأ فادح، ويا لها من بصيرة مربكة لولاءات خان الجديدة، مع تركه حاليا لماضيه المزيّن بالألوان البراقة خلفه.
تبدّل في الآراء
كان خان يحب إلتقاط الصور مع جميلات يرتدين القليل جدا من الملابس؛ أما هذه الأيام، فهو مسلم ورع جدا، من الذي يبدو بأنه يعتقد بكون الضحايا المغتصبات يتحمّلن جزءًا من المسؤولية بسبب «ارتدائهن للقليل جدا من الملابس» ما يحفّز الاشرار على الاعتداء عليهن. وتتستر تحت المشهد الناعم جوانب أشد عتمة للسيّد خان، فمع كل ما صرّح به من انزعاج وغضب لما يحصل من إساءات السلطة في باكستان، فقد شابت فترة حكمه مزاعم باضطهاد سياسي وأعمال مثيرة استعراضية كان المقصود بها اظهاره كشخصية شعبية أكثر مما هو عليه واقعا.
الأمر الاكثر إثارة للقلق بالنسبة للغرب يكمن في تعاطف خان الموثق مع حركة طالبان، وإصراره بعدم وجود شيء اسمه الاسلام المتطرّف، علاوة على حملته، خلال فترة جائحة كورونا، لرفع العقوبات عن ايران المعادية لأميركا. أما الأسوأ فيبقى علاقته القوية مع روسيا والصين.
وفي غضون أسابيع من لقائه زعماء الكرملين في موسكو مع بداية حرب اوكرانيا في شباط 2022، أسيء الحكم عليه من قبل الغرب، وتمت إزاحته من سدة الحكم، بعد تصويت بعدم الثقة سعى لمنعه من خلال حل البرلمان. ويشير تقرير مثير أصدره موقع انترسابت الأميركي إلى وثيقة حكومية باكستانية مسرّبة تظهر أن الإطاحة به كانت مدعومة بشكل فاعل من قبل الخارجية الاميركية. ولا غرابة في ذلك! لأن الغرب قد اتّحد لدعم أوكرانيا، وما كان يفعله عمران خان هو الانجذاب نحو الكرملين.
ومع شدة التعاطف الشعبي معه، يشعر آخرون بالارتياح لأن عمران خان لم تعد له قدرة الضغط على زر الإطلاق النووي.
صحيفة الديلي تلغراف البريطانية