الاطمئنان الاستهلاكي

اقتصادية 2023/09/21
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي



تأثر العالم كثيراً بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فبعد أن فشلت كل التوقعات بانتهائها في غضون عدة أشهر، لم يعد ثمة أمل بوجود انفراجة قريبة لهذه الأزمة العالمية، التي أدت بدورها إلى خلق أزمات ارتدادية حادة، تمثلت بارتفاع صارخ لأسعار المواد الغذائية والإنشائية على المستوى العالمي، ذلك لأن البلدين المتحاربين، يعدّان من المصادر الأساسية في تصدير القمح والزيت إلى الكثير من بلدان الشرق الأوسط، ومنها العراق، ما ادى إلى ارتفاع أسعار هاتين المادتين بنحو لافت، في الأسواق العالمية، حتى أن سعر القمح تضاعف مرة ونصف عما كان عليه قبل الحرب، التي أدت إلى قطع سلاسل التوريد بين الشرق والغرب، ما دفع بالتجار إلى البحث عن طرق ومصادر بديلة، لشحن البضائع، فكان ذلك سبباً آخر  لارتفاع الأسعار، وبطبيعة الحال إن مثل هذه الارتفاعات السعرية تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، وهذا ما حدث فعلاً، إذ شهدت الكثير من البلدان ارتفاعاً جامحاً في التضخم السنوي، نتيجة وجود تضخم نقدي واضح مقابل ندرة سلعية طاغية.

أما في العراق، فقد بدى المشهد مختلفاً تماماً، إذ لم تشهد معدلات التضخم لدينا مثل ذلك الارتفاع الذي شهده العالم، منذ بدء الحرب في أوروبا الشرقية،.. نعم صحيح كان هناك ارتفاع في المعدل خلال الفترة المذكورة، ولكنه كان منطقياً، فهو لم يتجاوز بكل الأحوال نسبة الـ(7بالمئة) وهي قد تبدو نسبة مرتفعة بلحاظ الظروف التي تأثر بها العراق، وهي ظروف داخلية وخارجية، من قبيل تغيير سعر الصرف، والسعر الموازي، والارتفاع العالمي للأسعار، ووجود كتلة نقدية كبيرة يجري تداولها في التعاملات التجارية والسوقية، ومثل هذه العوامل كان يمكن لها أن تؤدي إلى زيادة معدلات التضخم بنسب أعلى بكثير عما يتم رصده ميدانياً، إنما على العكس، حتى معدلات الارتفاع بدأت تتراجع، على المستوى السنوي، فيما تم تسجيل انخفاض للتضخم خلال الأشهر الماضية، نتيجة انخفاض أسعار قسم المواد الغذائية تحديداً.

وهنا يأتي السؤال، لماذا هذا الانخفاض في الأسعار؟ أليس العراق جزءاً من العالم، حيث تعاني أغلب البلدان الآن من مشكلات التضخم الاقتصادي .نعم هذا صحيح، ولكن الفرق، أن لدى العراق مشروعاً تدعمه الحكومة بقوة، ألا وهو مشروع البطاقة التموينية، حيث كان للسلة الغذائية ضمن هذا المشروع، الأثر الكبير في استقرار الأسعار، بل وانخفاضها نتيجة قلة الطلب على المواد الغذائية، وقد ولّد هذا الأمر حالة من الاطمئنان الاستهلاكي لدى الأسرة العراقية، بعد أن اكتفت البيوت، بالرز والطحين والسكر والزيت، وباقي المواد الغذائية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فقد نجح البنك المركزي، في تغطية المتطلبات الاستيرادية من المواد الغذائية للقطاع الخاص بالسعر الرسمي، وبذلك قلل كثيراً من تأثير السعر الموازي على الأسعار الاستهلاكية، يُضاف لذلك، الدعم السخي الذي تقدمه الحكومة للفلاحين والمزارعين، لاسيما في شراء المحاصيل الزراعية بأسعار أعلى من أسعار السوق العالمية، وخصوصاً الحنطة، وهذا الدعم شجع المزارعين على الزراعة بنحو جيد، فكان أن شهد العراق اكتفاء ذاتياً في محصول القمح لهذا العام، بعد أن وصل حجم الانتاج إلى أكثر من (5٥) ملايين طن، وإن كان قليلاً بالمقارنة مع المساحات المزروعة وغلّة الدونم الواحد. ووفقاً لهذه العوامل من المتوقع أن يبقى معدل التضخم محافظاً على مستوياته الحالية، مع ميل للتراجع الطفيف خلال الأشهر المقبلة، مع استمرار السياسات الحالية.