فيرن نيوفيلد ريديكوب
ترجمة: سهيل نجم
لقد عمل بول بيرسال على تطوير اتجاه للشفاء من الجروح التي يخلفها الصراع يستمد مضامينه من الطاقة القلبية، وهو يعرف ذلك الاتجاه كما يلي:
“الشفاء يعني استجماع جميع جزيئات الذكريات التي تساعد على الشفاء، والكشف عنها، وإعادة الترابط إليها، وأن يكون المرء متنبهاً للمخاطر التي تواجه سعادتنا وتعرضها إلى حالة من عدم التوازن مع طاقة مختلف المنظومات الأخرى التي تحيط بنا... الشفاء فيما يتعلق بالقلب لا يعني “محاولة الشفاء” ولكن إتاحة المجال للطاقة الطبيعية التي يمتلكها القلب على الشفاء، وجميع الذكريات المخزونة عن حالات الشفاء التي حصلت في الماضي، لأن تنبض داخل الإنسان، وأن لا تسلك اتجاهاً آخر بل تكون “عديمة التفكير” إلى درجة كافية لأن تتيح لقلب الإنسان أن ينسجم في خفقانه مع خفقان قلوب الآخرين بشكل يكاد يماثل الصلاة التي يختفي فيها كل اثر للكراهية وتسمو على الكلمات”
إن الصراع العميق الجذور، عبر التهديدات القاسية التي تواجه ملبيات حاجتنا للهوية وفخ محاكاتي يمكن أن يجعلنا في حالة تنافس مهووسة مع الآخر، يؤدي بنا إلى الإحساس بالصدمة، ويهزنا من الأعماق، ويحرمنا من النوم. يمكن أن نصبح بعيدين عن الانسجام مع أنفسنا، ونبتعد عن أصدقائنا القدامى، ويعذبنا شعور بالأسى على فقدان من نحبهم، ونتألم بسبب علاقات تصل إلى نهاية. هذه صرخات تطالب بالعلاج وتريد الشفاء والعودة إلى توازن داخلي، والإحساس بالسلام الداخلي مع النفس، وتتمنى الخير والسعادة للغير.
منذ سنوات مضت أشرفت على ورشة لدراسة الصراع العميق الجذور والمصالحة في سالزبورغ. حضرت امرأتان من كرواتيا في إحدى الجلسات. بعد أن انتهيت من الكلام، ذهب أتمشى عائداً إلى مركز المدينة حيث كنا نسكن برفقة إحدى هاتين السيدتين. فيما كنت ماشياً، قصت علي حكاية عن أصل تلك الصراعات العرقية التي حدثت في كرواتيا وأثارت موجات أخرى من الصراع في أنحاء متفرقة من يوغسلافيا السابقة ما أدى إلى عمليات تطهير عرقي، والاستيلاء على السلطة، وغير ذلك من الكوارث والمآسي. من بين القصص التي روتها هناك قصة عن شباب كثيرين كانوا مسالمين. لكنهم اضطروا للانضمام للجيش ضد إرادتهم على أمل فعل شيء جيد. عندما انتهى القتال التقت بهم واعترفوا بأنهم ارتكبوا أيضاً أفعالاً فظيعة. كانوا يحسون بالعذاب والذنب على ما اقترفوه حتى صاروا لا ينامون الليل، وينتابهم القلق، ويكرهون أنفسهم. قالت صديقتي إن الجهود التي بذلتها لمساعدتهم على استعادة وضعهم السابق لم تفلح على الإطلاق إزاء حاجتهم البالغة للعلاج والشفاء. مثلما يحتاج الضحايا كثيراً إلى الشفاء، كذلك الأمر بالنسبة لمرتكبي الجرائم.