هل أنصفت السينما المصريَّة والأجنبيَّة مهنة المحاماة؟

منصة 2023/09/25
...

  غفران حداد


جرائم العنف الأسري التي ازدادت مؤخراً داخل المجتمع العربي يتفاعل معها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، وكل فرد من خلال حسابه الشخصي، يطالب القضاء بإنزال أشد العقوبات بحق المتهم، في حين يغرد البعض الآخر بنشر مقاطع فيديوية، كوميدية ساخرة من أفلام عربيَّة عن ضعف القوانين في عالمنا العربي، وعدم وجود قوانين رادعة لمن تسوّل له نفسه بارتكاب جريمة بحق الضحية وما من محامٍ نزيه يدافع عن حقوقهم، فنرى زيادة جرائم العشق والقتل باسم الدين والشرف والسرقة والاعتداءات على الأطفال، لتعيد صفحات الحسابات الزرقاء امامنا مشاهد سخرية لأشهر المرافعات في تاريخ السينما المصريَّة لمن قدموا دور المحامي. 


حسن سبانغ

لعل أبرز هذه الأدوار الكوميدية كانت الشخصيَّة التي قام بها الفنان عادل امام في اداء  المحامي «حسن سبانخ» في فيلم ( الافوكاتو، 1983) واشهر عباراته في المحكمة (حضرات المستشارين، ماذا أقول وأي شيء يقال بعد ما قيل، وهل هنالك ما يقال بعد ما قيل، وما قيل قد قيل وهل هنالك قول يقال بعد الذي قيل من قول؟)كانت صورة المحامي هزلية، كوميدية سوداء، ضاعت فيها هيبه المحامي وكان «سبانخ» يتحايل على الثغرات القانونية للحصول على براءة موكله، رغم علمه بأنه متهم ومُدان. 


هذا جناه أبي

كان من أوائل الذين قدموا شخصية المحامي الفنان الكبير الراحل «زكي رستم» في فيلم (هذا جناه ابي، 1945)، للكاتب يوسف جوهر، إخراج هنري بركات، تشاركه البطولة صباح، وكانت مرافعته باللغة العربية الفصحى قائلاً (لا بد لي أن اتكلم حتى تعرفوا ويعرف المجتمع أنه إن كان في هذه القضية مجرم، ضيّع هذه التعسة وساقها إلى الهاوية فهذا المجرم هو أنا).


العدل أساس الملك

على الرغم من أن سلطة القضاء التي تعتبر اكثر مؤسسة لها قدسيتها من بين مؤسسات الدولة وشعارها المهيب (العدل اساس الملك) ولطالما كانت مشاهد المحامي والقاضي والضحية والمتهم تكون ذروة الأحداث الدرامية في أيِّ حدث، لكن هذه المشاهد قد ظهرت للمتلقي منزوعة المهابة، كما شاهدنا في مسرحية (شاهد ما شفش حاجة، 1976) للمخرج هاني مطاوع، حيث إن «سرحان عبد البصير» (عادل امام) الذي كان يعمل ممثلاً في برنامج للأطفال في التلفزيون يجسد  فيه شخصية الأرنب سفروت وهو شخص ساذج، شاء القدر أن تحدث جريمة قتل في البناية التي يسكنها ومن سوء حظه أن يكون آخر شاهد للقتيلة وهي حية، فيتم إحضاره للمحكمة ليشهد، لكن طوال مشهد المحكمة والسخرية والضحك من هيبة القضاء المتمثلة بين القاضي وبين المحامي والمدعي العام وشخصية «سرحان عبد البصير» وسط ضحكت الجمهور المتواصل على أداء الاخير، وهو يمسح صلعة احد القضاة بمندليه أو حين يحاول أن يسكت المحامي مرددا عبارة «اسكت هو انت فاهم حاجة».


ضد الحكومة

ومن المشاهد الشهيرة كانت مرافعة المحامي «مصطفى خلف» (احمد زكي) في فيلم» ضد الحكومة» حين قال (كلنا فاسدون لا أستثني أحدا حتى بالصمت العاجز) هذا المشهد كثيرا ما كان ينشر في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عندما تحدث جريمة بشعة في أحد بلادنا العربية، وحين لا يرضى المواطن العربي عن الأحكام العشوائيَّة التي يصدرها القضاء، سوى بتخفيف العقوبة عن قاتلي النساء تحت مسمى قضايا الشرف أو أحكام قاسية بحق مواطن جائع يسرق، بينما يترك اللصوص وسراق بعض الدول من دون حساب، لأن هذا اللص أو ذاك يتمتع بحصانة تحميه من المحاكمة والعقاب، فيحصد المقطع المتجزأ من الفيلم  التعليقات السلبية وأكبر عدد من «اللايكات» ومشاركة نشر المنشور.


محامي خلع

أرقام قضايا الطلاق تزداد بشكلٍ مخيف داخل الأسرة العربية مؤخرا، والبعض منها تؤدي إلى جرائم قتل قبل أو بعض الطلاق مثل قضية السيدة اللبنانية  من احدى قرى قضاء عالية، التي استدرجت زوجها لتناول طبق (الملوخية والرز) المفضل لديه، ولكنها دست السم فيه بمساعدة عشيقها بعدما اكتشف الضحية خيانتها وقرر الطلاق بدون مشكلات تسيء لسمعته وسمعة أطفاله، القضية حدثت في شهر آب الماضي وهزت الرأي العام في الشارع اللبناني، ولا تزال طور التحقيق وقضايا الطلاق في عالمنا العربي عكستها السينما باطار كوميدي مثل فيلم (محامي خلع، 2002) للمخرج المصري محمد ياسين والكاتب وحيد حامد قدما صورةً ساخرة عن حدوث حالات الخلع لأسباب بسيطة، يمكن معالجتها، بعيدا عن أروقة المحاكم، تدور أحداث الفيلم حول سيدة غنية تملك شركة مصانع للأزياء الجاهزة  تطلب الخلع من زوجها بعد ثلاثة شهور من الزواج،فقط لأنه يشخر أثناء نومه فكان المحامي «بدر النواساني» (هاني رمزي) محامٍ تحت التمرين يقع في حب موكلته «رشا الورداني» (داليا البحيري) ويدافع عنها وتبدأ ألاعيبه كمحامٍ للبحث عن سبب وجيه للحصول على حكم طلاق لموكلته، ومن اشهر المشاهد التي اضحكت الجمهور حين قال خلال جلسة المحكمة (انني اطلب الرحمة، ارحموا هذه العصفورة ارحموها). 

السينما الأجنبيَّة 

السينما الأميركيَّة  مثل السينما المصريَّة  قدمت صورة المحامي بأنماطٍ مختلفة بين الطيب والسيئ والخبيث والكوميدي والانتهازي الذي يستغل ثغرات القانون لصالح موكله كان فيلم (بعض الرجال الطيبين، 1992) اخراج» روب رينر»، العمل يتحدث عن محاكمةٍ عسكريَّة لبعض البحّارة اتهموا في جريمة قتل مزعومة، الفنان» توم كروز» أجاد دور المحامي (دانيال كافي)  قصة الفيلم تبدأ من وفاة جندي في قاعدة خليج جوانتانامو البحرية في كوبا، حيث اتهم شابان في تعريض الضحية لإجراءات تأديبية غير محدودة تسمى (الرمز الأحمر) لانتهاكهما التسلسل القيادي في فصيلتهما، ليتم اختيار محامي البحرية (دانيال كافي) في الدفاع عن المتهمين، كانت بقاعة جلسات فريق الدفاع واستجوابات الجناة بين (دانيال كافي) ومحامي الادعاء، أبرز شدة التنافس والخبرة والمهارات وتبادل الآراء المحتدم بين المحامين، العمل احتوى على جميع عناصر النجاح ونجوم من الصف الأول، ولا تحتوي الأفلام العالمية على جمل شهيرة للمحامين تكون سببا لشهرة الفيلم مثل حال الأفلام المصريَّة، بل تكون قوة السيناريو واداء النجوم كلها أدوات كافية لنجاح الفيلم، السينما الهوليوودية قدمت المحامي ومشاهد المحاكمات بشحنات عاطفية والكثير من التعقيد والتركيب ورؤى اخراجية بارعة في الغوص في ثنايا الشخصيات وقدرة كتّاب السيناريو لتحويل الكثير من النصوص الروائية إلى أفلام ممتعة وجعل المشاهد متعطشاً دائما لمشاهد البحث عن العدالة المفقودة.


وجهان للحقيقة

من الأفلام الأجنبيَّة المميزة ايضا كان فيلم (وجهان للحقيقة، 1996) المأخوذ عن رواية للكاتب (لوليام ديل) وإخراج «غريغوري هوبليت»، حيث» مارتن فيل»، (ريتشارد جير) محامي دفاع، يتصف بالذكاء يطارد القضايا المتسمة بالإثارة انفصل عن مساعدة شابة تدعى «جانيت فينابل» (لورا ليني) وتكون خصمه في القضية، ذروة الأحداث تبدأ عندما يقتل رئيس الأساقفة، ويتم القبض على المشتبه به «ارون ستامبلر» (ادوارد نورتون) بعد مطاردة طويلة مع الشرطة، كان يعتقد (مارتن فيل) أن المراهق القاتل قد يكون بريئاً وساقطاً في مؤامرة أكبر وأكثر شراً، الفيلم يدور في أحداث مشوقة ومتاهات حول من فعل الجريمة؟ ولماذا؟ استخدم المخرج حبكة المتاهة كخلفيَّةٍ لقضايا الهوية.


مهنة المحامي 

ختاما كانت مهنة المحامي من ضمن عشرات المهن التي قدمتها السينما المصريَّة والأجنبيَّة، وارتبطت بأذهان الجمهور وتفاعل معها، وما هي إلا انعكاسٌ لواقع المجتمع الذين نعيش فيه باختلاف الزمان والمكان، لكنها لم تعمد إلى معالجةٍ إيجابية في غالبية الأعمال فهي أفلامٌ  كوميدية، ساخرة، تغازل شباك التذاكر للربح فهي بالنهاية افلام تجارية هدفها التسلية والضحك والربح باستثناء أعمالٍ قليلة جدا، ابرزت  المحامي  بصورة نزيهة، يدافع عن المظلومين بعيدا عن الاستغلال والتلاعب بثغرات القانون لمصالح مادية.