دعم جنوب أفريقيا لروسيا محيّر

بانوراما 2023/09/26
...

 ديفيد ماكنزي
 ترجمة: بهاء سلمان


يرى العديد من المراقبين أن موقف جنوب أفريقيا من الحرب الروسية في أوكرانيا محيّر، فبينما تعلن الدولة أنها "غير منحازة"، يشير الدبلوماسيون وخبراء السياسة الغربيون إلى سلسلة من الاجراءات التي يقولون إنها تثبت خلاف ذلك.قائمتهم طويلة، من امتناع جنوب افريقيا عن التصويت لإدانة روسيا في الأمم المتحدة.
واستضافة مناورات حربية مع البحرية الروسية؛ إلى انتقاد الولايات المتحدة بشكل متكرر وعلني وحتى، كما يزعم، تحميل أسلحة وذخيرة على متن سفينة شحن روسية خاضعة للعقوبات. وقبل عدة أسابيع، وبينما ظل العديد من القادة الأفارقة بعيدا، حضر رئيس جنوب إفريقيا "سيريل رامافوزا" قمة روسيا وأفريقيا في سان بطرسبرج، مستصحبا معه وزراء رفيعي المستوى. ولدى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا علاقات تاريخية مع الاتحاد السوفييتي السابق، لكن هذا الإرث الأيديولوجي لا يمكن عموما أن يستمر حتى الآن.عادة ما يكون المال هو المتحدّث. وتتفوق العلاقات التجارية والمساعدات بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي مع جنوب إفريقيا بشكل كبير على مساهمة الإتحاد الروسي الهزيلة نسبيا. إذن، لماذا تعرّض جنوب إفريقيا هذه العلاقة المهمة للخطر؟ يبحث المحققون غير الربحيين في مركز "أما بهونغين" للصحافة الاستقصائية ونشطاء مكافحة الفساد عن إجابات في مكان غير معتاد- صحراء كالاهاري.

منجم منغنيز
على بعد أميال عديدة من مكان مجهول تقريبا، يرتفع جدار عملاق من الأتربة فوق منطقة مهملة. إنه حافة منجم كبير للمنغنيز، وهو معدن مهم لصنع الحديد والصلب. وتعد مجموعة مناجم المنغنيز المتحدة في كالاهاري، المالكة لهذا المنجم، شركة مربحة للغاية، وتتمتع بصلات مالية وثيقة مع صاحب النفوذ الروسي الخاضع للعقوبات "فيكتور فيكسيلبرج"، الحليف الرئيسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتعد شركة "بيت المستشار" القابضة أحد اللاعبين الرئيسيين ضمن المناجم، وترتبط بعلاقات وثيقة مع حزب المؤتمر الأفريقي. وعلى امتداد سنوات، أخفت الشركة علاقتها بالحزب، ولكن بعد تقارير استقصائية مكثفة أجرتها صحف متعددة، أكّدت الشركة القابضة تلك العلاقات سنة 2021، عندما كان مطلوبا من الأحزاب السياسية الكشف عن مصادر التبرعات الكبيرة التي يتلقونها.
وقول مدير الشركة الإداري، "موغوبودي موكوينا"، إن بيت المستشار لا يمثل واجهة لتمويل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، ولكنه توجه لـ"مساعدة الأشخاص أو الكيانات المحرومة تاريخيا في جنوب إفريقيا". ويشغل موكوينا أيضا منصب رئيس مجلس إدارة مجموعة تعدين منغنيز كالاهاري. في السنوات الأخيرة، كان الحزب الحاكم في وضع مالي حرج، وكان يكافح أحيانا لدفع رواتب موظفيه في مقره الشهير وسط مدينة جوهانسبرج.
واستنادا إلى السجلات المعلنة، تعد الشركة المانح الأكبر المنفرد للحزب في السنوات الأخيرة؛ وإذا اضيفت مساهمات "بيت المستشار"، فستصل التبرعات إلى ثلاثة ملايين دولار على الأقل منذ عام 2021. وفي بيان لها، نوهت الشركة بأن تبرعاتها كانت نزيهة وبعيدة عن الشبهات. "مثل العديد من الديمقراطيات العالمية، يسمح الإطار القانوني الجنوب افريقي للأفراد والمنظمات بتقديم تبرعات شفافة للأحزاب السياسية. وتبرعاتنا تتوافق من جميع النواحي مع القوانين الوطنية،" بحسب البيان.
لكن في بلد حيث الخط الفاصل بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والحكومة غامض في أحسن الأحوال، يشعر الكثيرون هنا بالقلق من أن السياسة الخارجية لجنوب إفريقيا تجاه روسيا يمكن أن تتأثر بهذا الارتباط. "اعتقد أن هناك قلقا متزايدا من أننا ما زلنا ناشطين أكثر من أي وقت مضى، ويحتمل وجود أموال أجنبية من أصل روسي تأتي إلى البلاد، لكنها تتدفق إلى خزائن سياسية مختلفة،" بحسب "كارام سينغ"، مدير منظمة "مراقبة الفساد"، القوية وغير الربحية، ويضيف: "أعتقد أن هذا الوضع سيعمل على فرض تأثيرات بكل تأكيد على كيفية اتخاذ جنوب أفريقيا موقفا بشأن سياسات معينة."

تغيّر المواقف
بيد أن التبرّعات والصلات بين بيت المستشار والحزب الحاكم وفكسيلبيرج ومجموعة تعدين المنغنيز، أحدثت مشاكل لقادة المعارضة ولمراقبي الوضع الروسي. يقول "ستيفن غروز"، محلل شؤون روسيا وأفريقيا في معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية: "أعتقد أن جنوب إفريقيا تلعب لعبة خطيرة هنا، وفي الواقع، يضع السياسيون أحيانا مصالح الحزب السياسي الحاكم، قبل احتياجات المواطنين، لأنه ليس من المنطقي أن تكون مرتبطا بشكل وثيق مع روسيا عندما تكون المنافع المالية هائلة للغاية، مترافقة مع الكثير جدا من المخاطر."
ويشير غروز إلى أن الولايات المتحدة لطالما عاملت جنوب أفريقيا بحالة من الاعتناء الخاص، مع مراعاة عدم المخاطرة بعلاقة مهمة.
لم يكن الأمر كذلك في الأشهر الأخيرة، ففي شهر آيار الماضي، انتقد السفير الاميركي، "روبن بريجيتي"، الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي علنا بسبب موقفهما من
روسيا.
 وفي تصريح لوسائل الإعلام المحلية، وجه السفير اتهاما مفاده أن المعلومات الاستخباراتية أظهرت أرسال حكومة جنوب إفريقيا أسلحة إلى روسيا خلال شهر كانون الأول الماضي على متن سفينة شحن روسية خاضعة
للعقوبات.
نفى المسؤولون تحميل أي شيء، لكن هذا الادعاء يخضع الآن لتحقيق سري تجريه حكومة جنوب افريقيا. غير إن بريجتي اعترض أيضا على انتقادات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي المستمرة للولايات المتحدة وموقفها تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، قائلا: "هذه قضية تتعلق بالتوجه السياسي للحزب الحاكم في بلد ما، وما يعنيه باعتباره الحزب المسؤول عن شغل مناصب كبار المسؤولين الحكوميين في حكومة جنوب
إفريقيا."
ويقول موكوينا إن الشركة ليس لها رأي في سياسات الحزب الحاكم، وهي متروكة لارادة الحزب؛ كما نفى وجود أي تضارب في المصالح. مضيفا بأن تبرعات الشركة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي كانت شفافة وغير مشروطة. في الوقت نفسه، فإن حضور رامافوزا وغيره من القادة الأفارقة في قمة سانت بطرسبرغ قبل عدة أسابيع أكّد أهمية روسيا للقارة وفشل القوى الغربية في عزل بوتين.

وكالة سي ان ان الاخبارية الاميركية