اسطنبول / فراس سعدون
ما إن قررت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، مساء الاثنين، إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في اسطنبول، وإعادة الانتخابات الشهر المقبل، حتى أطل أنصار المعارضة في مختلف أحياء الولاية من نوافذ شققهم وأخذوا يطرقون الأواني احتجاجا على القرار الذي اتخذ استجابة لاعتراضات حزب العدالة والتنمية الحاكم وطعونه، بعد خسارة مرشحه بن علي يلدرم أمام أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة في الاقتراع الذي أجري يوم 31 آذار الماضي.
واستغرقت لجنة الانتخابات شهرا وأسبوعا في دراسة الاعتراضات والطعون، وكان أبرزها وجود سجلات انتخابية فارغة، وتعيين مسؤولين عن إدارة مراكز الاقتراع من خارج القطاع العام.
الحزب الحاكم يدعم القرار
وقال رجب طيب إردوغان، الرئيس التركي وزعيم الحزب الحاكم، أمس الثلاثاء في كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزبه: إن "قرار اللجنة العليا للانتخابات إعادة انتخابات اسطنبول خطوة مهمة لتعزيز ديمقراطيتنا". وأضاف أن "حزب العدالة والتنمية لا يمكن له رفض نتائج الانتخابات ولا يحق له ذلك، كما لا يمكننا أن نتجاهل المخالفات الواضحة التي شابت انتخابات إسطنبول، ولا يمكننا التغاضي عن سلب الإرادة"، مؤكدا "نحن على ثقة كبيرة بحدوث تلاعب منظم وفقدان للشرعية ومخالفات في الانتخابات المحلية بإسطنبول".
وأعلن إردوغان أن بن علي يلدرم سيخوض الانتخابات مجددا مرشحا عن الحزب الحاكم.
وعبر يلدرم، الذي كان رئيسا للبرلمان، عن احترامه لقرار إعادة عملية التصويت في إسطنبول، مبديا عزمه على "خدمة مدينة إسطنبول وسكانها".
ويتمتع يلدرم بخبرة كبيرة في قطاع النقل الذي حمل حقيبة وزارته لسنوات.
المعارضة تهاجم القرار
وهاجمت قيادات المعارضة المختلفة كلا من الحزب الحاكم ولجنة الانتخابات على خلفية قرار إعادة انتخابات اسطنبول.
وأعاد حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة وأقدم الأحزاب السياسية التركية، ترشيح أكرم إمام أوغلو لينافس يلدرم مجددا في انتخابات الإعادة.
وقال إمام أوغلو، في اجتماع طارئ لنواب حزب الشعب الجمهوري لمناقشة قرار إعادة الانتخابات: إن "ديمقراطيتنا تلقت صفعة قوية. ينبغي علينا إصلاح ومعالجة هذه المرحلة معا. لدينا ردود فعل رافضة لما جرى".
وكان إمام أوغلو قد هاجم، أمام عدد من أنصاره، قيادات الحزب الحاكم ولجنة الانتخابات، بقوله "لقد سعوا لوضع اللجنة العليا للانتخابات تحت سيطرتهم بطعون وذرائع مختلفة ساقوها كل يوم، وأنا أدين اللجنة العليا للانتخابات".
وتابع "فزنا بهذه الانتخابات بفضل جهود الملايين، وكانت هناك مساعٍ لسرقة نتاج هذه الجهود مساء 31 آذار".
وعدّ الفائز برئاسة بلدية اسطنبول الكبرى والذي سحبت اللجنة العليا للانتخابات منه وثيقة تسلمه مهام رئاسة بلدية إسطنبول، السيادة "للشعب من دون قيد أو شرط، وهذا ما نؤكد عليه دوما، ونحن لن نحيد عن مبادئنا، وهذا البلد ممتلئ بـ82 مليون تركي من الوطنيين الذين سيناضلون حتى النهاية من أجل الديمقراطية والجمهورية".
وأعلنت وزارة الداخلية التركية تعيين والي اسطنبول، علي يرلي كايا، رئيسا بالوكالة لبلدية اسطنبول كبرى الولايات التركية.
وانتقدت مرال أكشنر، زعيمة حزب "ايي" المعارضة، قرار إعادة الانتخابات.
وقالت حليفة إمام أوغلو، عقب اجتماع طارئ لحزبها: إن "يوم 6 ايار بات تاريخ انتهاك إرادة الأمة، فهذا التاريخ هو التاريخ الذي تعرضت فيه دولتنا للمهانة أمام العالم"، واصفة قرار إعادة الانتخابات بأنه "استهداف الإرادة الوطنية".
انقسام في الشارع
وانعكس التجاذب والاستقطاب السياسي بين الحزب الحاكم والمعارضة على الشارع في اسطنبول. وجال مراسل "الصباح" في أكثر من منطقة اسطنبولية حيث استمع إلى أحاديث عدد من المواطنين وآرائهم بشأن إعادة الانتخابات.
وقال يشار يلماز، بائع سميط في منطقة أمين أونو مؤيد للحزب الحاكم: إن "قرار إعادة الانتخابات جيد بالنسبة لنا، فقد كانت هناك أخطاء وسيجري تصحيحها".
واستوقف حديث يلماز معارضا من أنصار إمام اوغلو دخل في جدل معه واصفا حديثه بأنه غير منطقي.
وجلس ملكي باي ديمير، من أنصار المعارضة، على ضفة البوسفور في منطقة كارا كوي، مع صديق له، وهو يقلب في صحيفة مترصدا المواقف السياسية.
ورد باي ديمير على سؤال لـ"الصباح" عن موقفه من انتخابات الإعادة بسؤال "ما الفائدة من اجراء انتخابات جديدة؟ أكرم إمام اوغلو سيفوز مجددا. هذه الأموال التي ستصرف كان الأولى بها أن تعطى للفقراء. انظر إلى حالنا فالدولار الواحد تجاوز 6 ليرات. عمري الآن 56 سنة ولم أشهد مثل مرحلة صعبة كهذه".
وأدت حالة عدم اليقين السياسي بشأن مصير الانتخابات في تركيا واستقرار اسطنبول إلى انخفاض الليرة التركية أمام الدولار الأميركي حيث سجلت صباح امس الثلاثاء 6.18 أمام الدولار الواحد.
رد على انتقادات دولية
ورفضت وزارة الخارجية التركية انتقادات دول وشخصيات أجنبية لقرار إعادة انتخابات إسطنبول.
ودعت الوزارة، في بيان، الجميع إلى احترام قرار اللجنة العليا للانتخابات المتخذ ضمن الأطر القانونية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أفاد، في بيان، بأن "القرار الذي تترتب عليه آثار مهمة يجب أن يكون متاحا أمام تدقيق الشعب من دون تأخير".
وقالت فيديريكا موغيريني، مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي: إن "ضمان عملية انتخابية حرة وعادلة وشفافة ضروري لأي ديمقراطية، وهو في صميم علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا".
وانتقد هايكو ماس، وزير خارجية ألمانيا الدولة المركزية في الاتحاد الأوروبي، قرار إعادة انتخابات اسطنبول. ووصف القرار بأنه "غير شفاف وغير مفهوم بالنسبة لنا". وذهب إلى أن "إرادة الناخبين الأتراك هي فقط من يقرر من يتولى رئاسة بلدية اسطنبول"، عادا "الحفاظ على المبادئ الديمقراطية مع ظروف انتخابية شفافة هما أهم أولوياتنا".
وتعد الجالية التركية في ألمانيا هي الأكبر في العالم حيث تبلغ قرابة 3 ملايين.