ذوو الهمم.. قيودٌ تُكبِّلُ طموحاتهم

ريبورتاج 2023/10/02
...

 فجر محمد

لم تكن رحلة سجاد كاظم الحياتيَّة بالسهلة أو اليسيرة، خصوصا مع فقدانه البصر في مقتبل عمره ولكن على الرغم من ذلك تجده دؤوبا ونشيطا، من أجل الحصول على حقه وأقرانه في الحصول على فرص متساوية بالتعليم أسوة بأقرانه الأصحاء، من يتحدث مع سجاد للوهلة الأولى سيُخيل إليه أن هذا الشاب البالغ من العمر 25 عاما قد حصل على شهادة جامعيَّة، لما يمتلكه من لباقة وطلاقة في اللسان وسعة تفكير ورغبة مستمرة بالتطور والحصول على أعلى الشهادات وتنمية الذات.

عندما بلغ سجاد الـ 18 عامًا كسر سجن الظلام، وحصل على أول شهادة له في السادس الابتدائي وحقق معدل أكثر من 95 بالمئة، واضعًا الخطوات الأولى لإكمال بقية المراحل الدراسيَّة، وما زال طموحه مستمرًا ولكن الآليات والقيود تقف بوجه طموحاته.
يقول سجاد بصوت يملؤه الحماس والعزيمة: "يلجأ العديد من ذوي الإعاقة إلى الامتحانات الخارجيَّة، لضعف وقلة الوسائل التعليميَّة المتوفرة داخل المدراس والخاصة بذوي الاعاقة البصريَّة".
وفق قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة المرقم 38 لعام 2013، تم تعريف الاعاقة بأنّها أي تقييد أو انعدام لقدرة الشخص بسبب عجز، أو خلل بصورة مباشرة على أداء التفاعلات مع محيطه في حدود المدى الذي يعد فيه الانسان طبيعيًّا، كما أنَّ التعريف يشمل كل من فقد القدرة كليًّا أو جزئيًّا على المشاركة في حياة المجتمع أسوةً بالآخرين نتيجة إصابته بعاهة بدنيَّة أو ذهنيَّة أو حسيَّة، أدى إلى قصور في أدائه الوظيفي.
ووفق القانون يجب أن يحصلوا على الرعاية وهي الخدمات الشاملة التي تقدم لذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة بهدف ضمان حقوقهم، فضلًا عن الحصول على التأهيل وهي عملية منسقة لتوظيف الخدمات الطبيَّة والاجتماعيَّة والنفسيَّة والتربويَّة والمهنيَّة.

سنوات الانتظار
لا تختلف قصّة عمار صالح الذي كرَّس نفسه هو الآخر، وأصبح ناشطًا مع زميله سجاد لنيل حقوق زملائه ذوي الاعاقة، فهو ايضا يريد ان يكمل مشواره الدراسي ويملؤه الحماس والرغبة الجامحة بإكمال الدراسة، لكن القوانين التي فرضت بخصوص سنوات الانتظار أعاقته عن تحقيق حلمه.
كان لعمار وزميله سجاد صولات وجولات من أجل إلغاء آليَّة الانتظار، وتحقق الامر في الحكومة السابقة (رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي)، بعد جهد وعناء كبيرين ورفض من قبل وزارة التربية في تلك الفترة، وبعد اللقاءات والمناشدات والسعي الدؤوب من اجل تحقيق هذا الامر تعرضوا لمظلوميَّة كبيرة طالتهم وزملاءهم ذوي الاعاقة البصريَّة.
وعن هذا الأمر يقول سجاد:"بعد أن أكملت مرحلة الانتظار، بدأت استعداداتي لأصل إلى المرحلة اللاحقة، وفي غضون ذلك كنت أسعى وزملائي من أجل المطلب المشروع لإلغاء هذه الآليَّة المعقدة، وتحقق لنا ذلك ثم فيما بعد تعرضنا إلى ظلم كبير".

حقوق مشروعة
ومن جهتها عبّرت الأكاديميَّة والباحثة النفسيَّة الدكتورة ناز السندي عن أهمية شريحة ذوي الاعاقة البصريَّة، لا سيما أنّهم يتمتعون بذكاءٍ عالٍ قد يصل أحيانا إلى مستويات تفوق تلك التي لدى الأصحاء، ومنهم من يكون محترفًا وماهرًا بالحرف اليدويّة لأنَّ الدماغ لديه يبذل جهدًا عاليًا في التركيز، ولهذا من المفترض ان ترعاهم الجهات المسؤولة وتوفر لهم البيئة الأفضل، والمدارس المتخصصة والاساتذة ذوي الكفاءة كي يخرجوا طاقاتهم وأفضل ما فيهم، وليس بخافٍ على أحد عدد المبدعين الذين تميزوا في مجالات متعددة وهم فاقدو البصر.
نص القانون الخاص برعاية ذوي الاعاقة على القضاء على التمييز بسبب الإعاقة أو الاحتياج الخاص، فضلًا عن تهيئة مستلزمات دمجهم في المجتمع، وتأمين الحياة الكريمة لهم واحترام عجزهم وقبوله كجزء من التنوع البشري والطبيعة الإنسانيَّة، مع السعي إلى ايجاد فرص عمل لهم في دوائر الدولة والقطاع العام والمختلط والخاص، ووفقًا للقانون ونصوصه فإنّ تلك الأهداف تتحقق بعدة وسائل منها.
ووضع الخطط والبرامج الخاصة لضمان حقوق ذوي الإعاقة، وفق أحكام القانون والاتفاقيات والمواثيق الدوليَّة التي تكون جمهورية العراق طرفًا فيها، والانضمام إلى الاتفاقيات والمواثيق الدوليَّة الخاصة برعايتهم، وتأمين المتطلبات العلاجيَّة والخدمات الاجتماعيَّة والتأهيل النفسي والمهني لهم بالتعاون، والتنسيق مع الجهات ذوات العلاقة داخل العراق وخارجه، كما نصَّ القانون على توفير فرص التعليم العام والخاص والمهني والعالي لذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة للقادرين عليه، مع التركيز على تطوير الملاكات العاملة في حقل رعاية ذوي الاعاقة، والاحتياجات الخاصة وإنشاء قاعدة بيانات لهم وتحديثها.

مناكفات سياسيَّة
مع تغيير الحكومة ووصول الحالية إلى الحكم، ألغيت جميع القرارات السابقة التي أبرمت بعد انتهاء الانتخابات النيابية، ومنها تلك التي حصل عليها ذوو الاعاقة البصريّة، التي لم تكن ضمن الفترة الزمنيّة المذكورة، والتي كانت ستسمح لهم بإكمال دراستهم وإلغاء آليَّة الانتظار لكنها منحت للأصحاء عوضًا عنهم، إذ وافق مجلس الوزراء على استثناء الطلبة الخارجيين لمَن أكمل 28 عامًا، من سنوات الانتظار لأداء الامتحان الخارجي، من المُدد المنصوص عليها في الفقرتين (أ، ب) من البند أولًا من أحكام المادة التاسعة من نظام الامتحانات رقم (18) لسنة 1987 المعدّل.
يُعاني سجاد كاظم وعمار صالح وزملاؤهم الراغبون بإكمال دراستهم، من الاهمال والتهميش حتى داخل أروقة الوزارة، واثناء محاولاتهم الحصول على أبسط حقوقهم، ورغم طرقهم للأبواب إلّا أنَّ المناشدات ذهبت أدراج الرياح، ولم ينفعهم القرار السابق لأنَّهم لم يكملوا الـ 28 عامًا.