تقلب أوضاع الرز يؤثر في الطبقات الأكثر فقراً

بانوراما 2023/10/02
...

  أنيرودا غوسال وإيفلين موسامبي
  ترجمة: بهاء سلمان

بدا «فرانسيس نيجي» غير متيقنا إن كان عملاؤه في أكبر الأحياء الفقيرة في أفريقيا يستطيعون الاستمرار في شراء الرز منه؛ فقد ارتفعت أسعار الرز المزروع في كينيا منذ فترة بسبب صعود أسعار الأسمدة، علاوة على حالة الجفاف التي دامت لسنوات في القرن الأفريقي مما أدى إلى انخفاض الإنتاج. وقد نجح الرز الرخيص المستورد من الهند في سد هذه الفجوة، حيث أطعم مئات الآلاف من سكان حي كيبيرا الفقير في نيروبي، الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
لكن هذا الوضع يعتريه التغيير، حيث ارتفع سعر كيس الرز الذي يزن 25 كيلوغراما بمقدار الخمس منذ حزيران الماضي، ولم يحصل تجار الجملة بعد على مخزونات جديدة منذ أن صرّحت الهند، وهي أكبر مصدر للأرز في العالم على الاطلاق، خلال تموز الماضي حيث إنها ستحظر بعض شحنات الرز.
وتعد هذه الجهود محاولة دولة كبرى في العالم من  عدد السكان للسيطرة على الأسعار المحلية، بيد أنها تركت فجوة كبيرة تبلغ نحو عشرة ملايين طن من الرز الذي يحتاجه الناس في جميع أنحاء العالم، أي ما يقرب من خمس الصادرات العالمية.
يقول نيجي، 51 عاما، الذي يبيع الرز منذ 30 عاما: «آمل حقا أن تستمر الواردات.» ولا يعد نيجي وحيدا في نوع قلقه، حيث يتعرّض الأمن الغذائي العالمي بالفعل للتهديد منذ أن أوقفت روسيا اتفاقا يسمح لأوكرانيا بتصدير القمح، بالترافق مع تسبب ظاهرة النينو المناخية بعرقلة إنتاج الرز. وترتفع أسعار الرز حاليا بشكل كبير، فقد وصلت أسعار تصدير الرز الفيتنامي إلى أعلى مستوياتها منذ 15 عاما، مما يعرض للخطر الأشخاص الأكثر ضعفا في بعض الدول شديدة الفقر.
ويقول «بو دامين»، مسؤول الموارد الطبيعية في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ومقرها بانكوك، إن العالم يقف عند «نقطة انعطاف». وحتى قبل القيود التي فرضتها الهند، كانت البلدان بالفعل تشتري الرز بكثرة تحسبا لندرة الرز عندما ضربت ظاهرة النينو، متسببة بارتفاع الأسعار.

تهديد المناخ
الأمر الذي بإمكانه جعل الوضع أسوأ هو أن الحظر الذي فرضته الهند على الرز غير البسمتي سيخلق تأثير الدومينو، مع قيام الدول الأخرى بالحذو حذوها. وبالفعل، قامت دولة الإمارات بتعليق صادرات الرز للحفاظ على مخزونها المحلي. وهناك تهديد آخر يتمثل في أن يؤدي الطقس المتطرف إلى إتلاف محاصيل الرز في بلدان أخرى.
ظاهرة النينو هي ارتفاع طبيعي ومؤقت وعرضي لجزء من المحيط الهادئ يؤدي إلى تغيير أنماط الطقس العالمية، ويعمل تغيّر المناخ على جعلها أقوى. ويتوقع العلماء أن يتوسع الارتفاع الجاري إلى مستويات هائلة، وقد أدى في الماضي إلى طقس متطرف يتراوح بين الجفاف والفيضانات. أما استهلاك أفريقيا للأرز فيزداد باستمرار، وتعتمد معظم البلدان بشكل كبير على الواردات وتحاول الدول ذات الكثافة السكانية المتزايدة مثل السنغال زراعة المزيد من الرز الخاص بها. فمن داكار العاصمة، يقول «أمادو خان»، وهو أب لخمسة أطفال، ويبلغ من العمر 52 عاما، إن أطفاله يتناولون الرز مع كل وجبة باستثناء الإفطار، التي غالبا ما يضطرون إلى تخطيها عندما يكون بلا عمل. «أنا أعالج أموري فحسب، وأحيانا أجد صعوبة في رعاية أطفالي.»
أصبح الرز المستورد، الذي يأتي سبعين بالمئة منه من الهند، باهظ الثمن بشكل فاحش في السنغال، لذا، تضطر عائلة أمادو إلى تناول أرز محلي يكلّف ثلثي سعر الرز الهندي. ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة «مامادو ندياي» إن السنغال ستلجأ إلى شركاء تجاريين آخرين مثل تايلاند أو كمبوديا لاستيراد الرز، رغم إن السنغال ليست «بعيدة عن الاكتفاء الذاتي» من هذه المادة الغذائية الحيوية، حيث تتم زراعة أكثر من نصف احتياجها محليا.
وتواجه الدول الآسيوية، حيث تتم زراعة واستهلاك تسعين بالمئة من الرز في العالم، صعوبة في الإنتاج. وكانت الفلبين تدير شؤون المياه بعناية تحسبا لهطول أمطار أقل أثناء خضم تأثير ظاهرة النينو، عندما ضرب إعصار دوكسوري المنطقة الشمالية المنتجة للأرز، متسببا بإتلاف الرز بقيمة 32 مليون دولار، أي ما يقدر بنحو 22 بالمئة من إنتاجها السنوي.
وتعد الدولة الأرخبيلية ثاني أكبر مستورد للأرز بعد الصين، وقد أكد الرئيس «فرديناند ماركوس جونيور» على الحاجة لاحتياطيات كافية. وكان الطقس المتقلّب أيضا من بين الدوافع الأساسية وراء القيود المفروضة على الرز في الهند، لأن الرياح الموسمية غير المنتظمة إلى جانب ظاهرة النينو التي تلوح في الأفق تعني أن الحظر الجزئي كان ضروريا لمنع أسعار المواد الغذائية من الارتفاع، وفقا لرأي «ديفيندر شارما»، خبير السياسة الغذائية الهندي.
ويقول «أشوك جولاتي» من المجلس الهندي لأبحاث العلاقات الاقتصادية الدولية، أن القيود ستمنع نصف صادرات البلاد من الرز هذا العام، وأن القيود المتكررة ستجعل من الهند مصدرا غير موثوق به.
منافس جديد
وتأمل فيتنام، وهي مصدّر رئيسي آخر للأرز، في الاستفادة من ذلك، فمع ارتفاع أسعار تصدير الرز إلى أعلى مستوى لها منذ 15 عاما والتوقعات بأن يكون الإنتاج السنوي أعلى قليلا من العام الماضي، تحاول مانيلا الحفاظ على استقرار الأسعار المحلية مع تعزيز الصادرات.
وتقول وزارة الزراعة الفيتنامية إنها تعمل على زيادة مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الرز في دلتا ميكونغ بنحو 500 كيلومتر مربع. وتجري الفلبين محادثات مع فيتنام لمحاولة الحصول على الحبوب بأسعار أقل، في حين تتطلع فيتنام أيضا إلى بريطانيا، التي يصلها الرز من الهند.
لكن المصدرين، من أمثال تشاروين لاوثاماتاس في تايلاند المجاورة، يشعرون بالقلق. وتتوقع التايلاندية شحن كميات من الرز أكبر من العام الماضي، مع زيادة صادرات الأشهر الستة الأولى من العام الحالي بنسبة 15 بالمئة عن نفس الفترة من عام 2022.
وقال لاوثاماتاس، رئيس الرابطة التايلندية لمصدري الرز، أنّ عدم الوضوح بشأن ما ستفعله الهند بعد ذلك والمخاوف بشأن ظاهرة النينو تعني أنّ المصدرين التايلانديين مترددون في تلقي الطلبات، وعدم رغبة مشغلي المطاحن في البيع، كما أن المزارعين رفعوا أسعار الرز غير المطحون. ومع تقلّب الأسعار، لا يعرف المصدرون ما هي الأسعار التي يجب عليهم تقديمها، لأن الأسعار قد ترتفع مرة أخرى في اليوم التالي؛ «فلا أحد يريد المخاطرة.» بحسب لاوثاماتاس.

وكالة اسيوشيتد برس الاخبارية