كرس مسيرته لمد الجسور بين الحضارات

منصة 2023/10/02
...

   باريس: أ ف ب

يُعدّ الكاتب الفرنسيّ اللبنانيّ أمين معلوف، الذي انتُخب الخميس أميناً دائماً جديداً للأكاديميَّة الفرنسيَّة، أحد رموز الرواية التاريخيَّة المستلهمة من الشرق، وقد كرّس إنتاجه الأدبيّ طيلة عقود للتقارب بين الحضارات.
وإثر انضمامه إلى الأكاديميَّة عام 2012، نقش معلوف على سيفه الخاص بأعضاء المؤسسة العريقة رمز “مارذيان” (شعار الجمهوريَّة الفرنسيّة) وأرزة لبنان.
وقد توجه جان كريستوف روفان، صديقه وزميله في الأكاديميَّة ومنافسه في انتخابات الخميس على رئاسة المؤسسة العريقة، إلى معلوف تحت قبة الأكاديميَّة قائلاً “كل أعمالك، كل أفكارك، كل شخصيتك، هي جسر بين عالمين.. يحمل كل منهما نصيبه من الجرائم، ولكن أيضا من القيم. هذه القيم هي التي تريد توحيدها”.
وكان أمين معلوف، الصحافي السابق المقيم في فرنسا منذ عام 1976، قد فاز بجائزة غونكور الأدبيّة المرموقة عام 1993 عن رواية Le Rocher de Tanios»- صخرة طانيوس” التي تدور أحداثها في الجبال اللبنانية خلال طفولته.
ويزخر سجل الروائي المتميز بكتب حصدت نجاحاً كبيراً، بينها Léon l›Africain» - ليون الإفريقي عام 1986”،
وSamarcande» - سمرقند عام 1988”، و”رحلة بالداسار - عام 2000 “ و  Nos frères inattendus» - خوتنا الغرباء -عام 2020”.
كما ألف معلوف مقالات وقصصاً عدة، بينها «Les Croisades vues par les Arabes» الحروب الصليبية كما رآها العرب” عام 1983، وLes Échelles du Levant» - موانئ المشرق- عام 1996، و Les Identités meurtrières» -الهويات القاتلة -عام 1998”، وLe Dérèglement du monde» - اختلال العالم- عام 2009”، و “Un fauteuil sur la Seine» - مقعد على ضفاف السين -عام 2016”، حيث يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين (رقم مقعده في الأكاديميَّة الفرنسية) منذ عام 1635.
كما كتب معلوف نصوصاً للأوبرا، خصوصاً للمؤلفة الفنلندية كايا سارياهو. وقد أُنجزت إحدى هذه القصص الأوبرالية، بعنوان L›Amour de loin»  - الحب عن بعد” في مهرجان سالسبورغ سنة 2000.
وتحتل موضوعات المنفى والترحال والاختلاط الثقافي والهوية، موقعاً مركزياً في منشوراته المكتوبة بالفرنسية بلغة عميقة لا تخلو من المتعة السردية.
ففي كتاب في Origines» – بدايات عام 2004”، تحدّث معلوف عن شعوره بالالتزام تجاه أسلافه. وكتب أن المرء في بلده الأم يولد محباً للترحال ومتعدد اللغات. والعائلة هي التي تؤسس “الهوية الشتاتية” لأبناء جلدته الذين يتركون مثله لبنان ليشقوا طريقهم حول العالم.
ولد أمين في بيروت في 25 شباط/ فبراير 1949، وهو ابن رشدي المعلوف، الصحافي والكاتب والمعلم والرسام والشاعر والشخصية اللامعة في العاصمة اللبنانية بين أربعينيات القرن العشرين وثمانينياته.
وعلى خطى والده، خاض أمين معلوف غمار الصحافة بعد دراسات في الاقتصاد وعلم الاجتماع. ولمدة اثني عشر عاماً، عمل مراسلاً رئيسياً، وغطّى سقوط النظام الملكي في إثيوبيا ومعركة سايغون الأخيرة. وتولى بعدها إدارة “النهار العربي والدولي”.
وفي عام 1975، شهد الاشتباكات الأولى إثر اندلاع الحرب اللبنانية، قبل أن يقرر هذا المثقف الإنساني المغادرة إلى فرنسا.
وقال أمين معلوف “لقد غادرتُ لبنان بعد عام من الحرب، لكنني لا أشعر بالذنب لأنه، في مرحلة معينة، كان عليّ اتخاذ قرار المغادرة من أجلي ومن أجل عائلتي”.
وفي باريس، انضم إلى مجلة Jeune Afrique» -جون أفريك” الأسبوعية التي أصبح رئيس تحريرها.. على خطى أدباء لبنانيين ناطقين بالفرنسية من أمثال شارل قرم وناديا تويني وصلاح ستيتية، يكتب أمين معلوف بأسلوب يمزج بين القوة والسلاسة بنفحة شرقية. لكنه يقول “إذا وجدوني في الغرب شرقياً، فإنهم في الشرق سيجدونني غربياً جداً”.
انتظر هذا الرجل المتحفظ المبتسم حتى عام 1993 ليستحضر لبنان في كتاب “صخرة طانيوس”، موضحاً “لم أبتعد يوماً عن لبنان، بل بلدي هو الذي ابتعد عني”.
وقال عند عودته إلى بلده الأم عام 1993 بعد غياب استمر عشر سنوات “لا أحاول أن أعرف إلى أي بلد أنتمي، فأنا أعيش هذه الجنسية المزدوجة، اللبنانية والفرنسية، بطريقة متناغمة”.
في كتاب  Les Désorientés»  -التائهون- عام 2012، استرجع معلوف بحنين سنوات دراسته الجامعية، مستذكراً مناخ التعايش في أرضه الأمّ “المشرق” قبل الحرب.
وبحسب قوله، فقد “اختفت نوعية التعايش التي كانت موجودة بين المجتمعات المختلفة وما كان ينبغي أن تختفي أبداً، بل كان يجب أن تكون نذيراً للمستقبل، وهي اليوم تنتمي إلى الماضي”.
ويوزع أمين معلوف، وهو أب لثلاثة أبناء، إقامته بين باريس وجزيرة يو في منطقة فانديه الفرنسية. وهو عمّ عازف الترومبيت إبراهيم معلوف.