الحلبوسي: تحية للطوائف وداعاً للطائفيَّة

العراق 2019/05/07
...

شاكر حامد
 
 
انتهاء تنظيم داعش فعلياً على صعيد القوة والنفوذ المرحلي الذي حصل عليه في الموصل ومناطق صغيرة متناثرة من العراق لا يعني نهاية المناخ الذي تعمل في ظلامه جماعات متفرقة وافراد مارقون شواذ، يحاولون بث الفرقة واثارة الفتنة الدموية بين أبناء الوطن الواحد، مما يستدعي يقظة عالية المستوى واجراءات شجاعة مباشرة لكشف الحقائق وانتشال الأبرياء وإنصاف الضحايا انصافا عادلا وفق القانون والأعراف معا، كي ينقطع الطريق الى تنامي ما يفعلون، فالذين ضربت هزيمة داعش مصالحهم من المجرمين والخارجين على سلطة الدولة  في مناطق حساسة من أرض العراق لن يهدؤوا حتى يقتص منهم القانون العراقي  وتثبث العدالة أنها لن ترتخي بعد الانتصار، ولن تغفل عما تفعله الذيول التي بُترتْ من افاعي داعش وظلت ترفس هنا وهناك  في الظلام.
 هذا هو موجز تحليلي للاحداث التي شهدتها ناحية العباسية في النجف الاشرف منذ شهر  وركب موجتها ملفقو اخبار الفتنة التي كادت تؤدي الى ما لا يحمد عقباه بين عشائر نجفية وعشائر من الانبار لا ذنب لهم بما جرى لولا حكمة أهل النجف الكرام ودور رئيس مجلس النواب الذي كان بينهم في زيارة تاريخية مخلصة.
فقد حدث قبل شهر ومع موسم جني  ثمار الكمأ (الجمه) أن شبابا أبرياء بسطاء من عشيرة آل بدير في ناحية العباسية  ذهبوا لجني الكمأ  في منطقة الثرثار المحاذية  للحدود مع الانبار وهي منطقة غير مستقرة أمنيا من أيام النظام السابق، وبينما كان الشباب النجفيون يحصدون الكمأ هجم عليهم قطاع الطرق من الأشرار وقاموا بقتلهم .
لاشك أن حدثا بشعا كهذا حرّك كل مشاعر الغضب والانتقام، لكن اهل الحكمة من عشائر آل بدير الكريمة قرروا أن يسلكوا طريق القضاء مراهنين على عدالة الدولة فاقاموا دعوى قضائية للقصاص من قتلة أبنائهم، ومع سير اجراءات القضاء تم اعتقال عدد من المشكوك بأمرهم، برّأ مَنْ لاعلاقة لهم بالحادث وأدان آخرين لاعترافهم بالجريمة.  بعد اطلاع السيد رئيس مجلس النواب الذي وصلتْه الوقائع كاملة سواء من أهل الذين استشهدوا او الذين اعتقلوا وبرّأهم القضاء، ولإعطاء رسالة عن سير العدالة، اقترح أنْ تقوم القوة ذاتها التي اعتقلتهم باعادتهم الى أماكنهم وتحت حمايتهم بعد ظهور براءتهم.
وفي الوقت الذي ذكرت الاخبار الملفقة أن الحلبوسي يرسل قوة مسلحة لإخراج المعتقلين من السجن وتهريبهم! وبحسّ عشائري أصيل وبمسؤولية عراقية عالية، ذهب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بنفسه الى أهله وتحديداً الى أهالي الضحايا وعشائر آل بدير الكريمة المكلومة بأبنائها، ليقول لهم أنا ابنكم وأنا ولي المحبة وطنيا ودستوريا بحكم الأمانة التي حمّلها اياي شعبي، التقى شيوخ عشائر آل بدير في عموم الفرات الأوسط وشبابهم وحيا اسلوبهم المتحضر والوطني بعدم الانزلاق الى لغة النزاعات العشائرية الشائعة اليوم والانصياع للاخبار الملفقة التي لا تريد لشعبنا خيراً  ثم يلتقي عائلات المغدورين ويطبب جراحهم بالرعاية التي هي واجب الدولة ومسؤوليها ليدفن معهم مبدأ ان أهل الانبار قتلوا من أهل النجف فجميع ابناء شعبنا في المحافظتين وغيرها من مناطق العراق مستهدفون من الدواعش المجرمين وكل من يريد المساس ببلادنا وشعبنا. وأن لاخيار لنا الا أن ننتصر  بارادة الحب والتسامح والوحدة بين ابناء المحافظات جميعا ضد المخاطر المشتركة .
لغة الرئيس الحلبوسي كانت محاكاة لطبيعة الشعب العراقي الكريم الذي يؤدي التحية بأحسن منها، وهو شعب التسامح والتفهم والوئام، لكن ذلك بحاجة الى فهم من رجال الدولة الحقيقيين الذين يعتمدونه أرضية اساسية في التنمية البشرية وطمأنة المجتمع الى المستقبل، فما الذي حول الحزن الى وئام ومناسبة لتجديد الأخوة العراقية، إنها روح العراقي المتجذرة فيه، الروح التي نعوّل عليها في بناء نسيجنا الشعبي المتماسك من جديد مع كل ازمة خارجية أو داخلية ، حيث تدفن الفوارق المعدة للتخاصم والاحتراب،  ويحتفى بالمشتركات التي تجمع العراقيين ديانات وأرضا وشعبا كريما وهو ما اشار له السيد الحلبوسي خلال نشاط آخر له في زيارته الى النجف الأشرف حين حضر احتفالا  تأبينياً بذكرى وفاة السيد نور الياسري أحد قادة ثورة العشرين ليقول: (مثلما يحتفل جيل اليوم بذكرى الابطال الذين قاوموا الاحتلال في ثورة العشرين  ستحتفل الاجيال القادمة بشجاعة العراقيين الذين توحدوا بفتوى المرجعية الرشيدة لمقاتلة داعش، التنظيم الذي خاب في خلق الفتنة، الذي أحرق بيوت السنة وهجرهم وخرب بيوتهم وأدعى أنه يمثلهم). 
وعليه تمثل زيارة السيد الحلبوسي التي حملت هذه الهواجس والعناوين جميعها الخطوة الخضراء المهمة في مسيرة العلاقة بين شعب العراق بمكوناته كافة، ليكون رسولا للعراقية التي نحملها هوية مشتركة في ضمائرنا ومسؤولية يتصدى لها من هو اهل للمسؤولية ليرسل من خلال زيارته التاريخية هذه رسالة الى العراقيين والعالم: "تحية للطوائف وداعا للطائفية تحية للعراق الذي نحن ابناؤه 
جميعا".