دعوةٌ قديمةٌ الى كتابة العربيَّة بالأحرف اللاتينيَّة

منصة 2023/10/04
...

  أ.د. سيّار الجميل*


تعالجُ دراستي اليوم في (كشوف 14) قضيَّة خطيرة في تاريخنا الثقافي العربي المعاصر بطلها إحدى شخصيات مصر في النصف الأول من القرن العشرين هو عبد العزيز فهمي باشا (1870 – 1951) وهو زعيمٌ سياسيٌّ خطيرٌ ورجلُ قانونٍ كبيرٌ، فضلاً عن كونه أحد أبرز المثقفين القدماء وكان من قيادات حزب الوفد في مصر، ولأول مرة تكشف لنا هذه “الرؤية النقديَّة” عن دور الأستاذ كامل الجادرجي (1897 – 1968) الذي عرفه الجميع من كبار الساسة الديمقراطيين العراقيين بأدواره ومواقفه ولكنْ نكتشف هنا أنّ الرجل كان مثقّفاً عالي المستوى وهو يجادلُ بجدارةٍ في قضيَّة شائكة، وقد نشرَ ردّه على فهمي باشا في مجلة (المجلة) العراقيَّة التي كان يرأس تحريرها المثقف الماركسي العراقي المعروف ذوالنون أيوب (1908 – 1996).


دعونا نتوقف قليلاً عند هذه “القضيَّة” المثيرة للجدل، علماً بأنّنا عندما درسنا في الغرب طلبة وباحثين، إذ علمنّا المستشرقون طريقة كتابة العناوين العربية بالأحرف اللاتينيَّة وتسمّى بمصطلح (TRANSLITERATION) وأفضل نظام لها هو نظام جامعة اكسفورد.

أولاً: مشروع عبد العزيز فهمي وردود الفعل في مصر
تبّنى زعيم تركيا ومؤسس جمهوريتها بعد قرابة 5 سنوات من ذلك، مشروع استخدام الأبجديَّة اللاتينيَّة في كتابةِ اللغةِ التركيَّة بدلاً من استخدام الأبجديَّة الألفبائيَّة العربيَّة وذلك يوم 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 1928، وكان لذلك صداه الواسع في بلدان العالم الإسلامي قاطبة، وبعد 15 عاماً دعا الزعيم السياسي ورجل القانون المصري المعروف عبد العزيز فهمي باشا (1870- 1951) الى مشروع اتخاذ الحروف اللاتينيَّة لكتابةِ اللغة العربيَّة. ففي جلسة المجمع اللغوي المصري (الخالدين) التي انعقدت يوم 3/ 5 / 1943 تقدّم الرجل بمشروع اقتراح دعا فيه إلى استِبدال الحروف اللاتينيَّة بالحروف العربيَّة، واقترح أيضاً بدعوتهِ إلى هَجرِ الفُصحى، لتحّل العاميَّة محلّها، ووصفَ السبب الذي قاده الى ذلك إيعازه إلى أنّ تعلّم الفُصحى محنة، فاللغة تحمل في ذاتها «محنة حائقة بأهلِ العربيَّة، وطغيانًا وبغيًا؛ لأنَّ في ذلك تكليفًا للناس بما فوق طاقتهم».
هذه «الدعوة» لم تلق بالاً من أحد إلّا ما نشره المهاجمون من ردودٍ قاسية ضدّه، إذ وجّه بعض المصريين إليهِ انتقاداتهم الصارخة، فقام عبد العزيز فهمي بنشر كراسٍ عنوانه «الحروف اللاتينيَّة لكتابة العربيَّة» (أغسطس سنة 1944)، وهي حركة تدعو الى استبدال الحروف العربيَّة بالحروف اللاتينيَّة أسوة بما حدث في تركيا، وهذه دعوةٌ خطيرةٌ شغلت بال المثقفين العرب وقتذاك، وقد اهتمَّ بها بعض المثقفين العراقيين المحسوبين على اليسار، إذ قام رئيس تحرير مجلة «المجلة» التي كانت تصدر في بغداد وهو الأستاذ ذو النون أيوب بتوجيه استفتاءٍ في صفحات تلك «المجلة» يتعلّق باللغة لأخذ آرائهم في هذه الخطوة الخطيرة.
ويبدو أنّ هذه «الدعوة» لاقت عنتاً وهجوماً في مصر ضدّ صاحبها الذي كتبَ في كرّاسه قائلاً: «وهم لا مادة عندهم حتى للتعالي الرخيص، فليمضوا إذن في التعالي الخسيس: التطاول من قِصّر. وهكذا مضى كلّ المعترضين إّلا قليلاً ممن عصم الله. عمد بعضهم الى الدين فتكلّموا باسمهِ، كأنّما وكّل الله إليهم أمرَ عبادهِ. ورأى بعضهم خير طريق يرفعهم الى ذروة المجد هو اصطناع الكلام الغليظ، معتمدين على أنّ العوام كثيراً ما يفيضون على الشغّابين صفة الفتوة المبيحة للافتخار، والحقيقة في نظرهم بالتجلّة والإكبار. وفات المساكين أنَّ هذه المرقاة لا ترفع ذواتهم إلا لتنقلب فتهوى بهم في مكانٍ سحيق» (ص 75).

ثانياً: رد فعل فهمي على الجادرجي
يستطرد عبد العزيز فهمي قائلاً: «وبينما أنا أفكّر في ما انتاب بعض الناس من التحلّل الخلقي إذا بأحد موظفي المجمع يناولني عدداً صادراً في 7 أيار/ مايس 1944 من صحيفة اسمها «المجلة» تصدر في بغداد. قرأت فيها أنَّ صاحبها استفتى قومه في شأن ما ينبغي اتخاذه من أنواع الحروف لرسم العربيَّة. ثمّ دوّن ردّاً أتى إليه من معالي السيد كامل الجادرجي. قرأتُ هذا الردّ فألفيتُ واضعهُ يعترض اعتراضاً شديداً على ما اقترحته من اتخاذ الحروف اللاتينيَّة لرسم العربيَّة. وعلى الرغم من هذا قد وقعَ في نفسي لهذا المعترض من التقدير والاحترام ما لم يقع قبل لمعترض ولا لموافق. ذلك أني لمستُ في كلّ سطرٍ من أسطر اعتراضه دليل الفطنة وسعة الاطلاع، وعلى الأخص سٍما الكيس وكمال الرجولة» (ص 75).

ثالثاً: الآراء النقديَّة للأستاذ كامل الجادرجي
1 - وصف الجادرجي الدعوة الى هذا الاستفتاء من قبل «المجلة» جرأة ويعترف بأنّ ليس لهم إلمامٌ تامٌّ بهذا العلم، ويبرّر مشاركته ويسمّيها «تطاولي في الإجابة» وأنه لم يكن يتصدّى لولا اعتقاده بأنّ العربيَّة أصبحت بحاجة الى «إصلاحٍ ثوريٍ يشقّ الطريق لعامة المتعلّمين»؛ لأنّ المهرة فيها لا يشعرون بضرورة الخروج عن نظامها! وهو لا يعتقد أنَّ الصعوبة في الحروف وإنمّا بطبيعة العربيَّة وقواعد إعرابها. فبالرغم من أنها لغة قياسيَّة محكمة ولكنها صعبة الإتقان وضبطها وإتقانها أكثر صعوبة بسبب بقائها زمناً طويلاً بلا تيسير لقواعدها وليست هناك أيَّة لغة حيَّة في العالم بقيت قواعدها محافظة لأكثر من ألف سنة مثل العربيَّة علماً بأنّ نهضات فكريَّة قد حدثت على امتداد الأجيال.
2 - أمّا الحروف العربيَّة ففي تركيبها ومزجها هي بالغة الرقي كرموز للتفاهم تشغل حيزاً ممكناً وسريعة الكتابة وتختصر تعقيدات بالغة، فمزجها هو اختزالٌ غير معتدٍ وسهل استخدامه عكس اللغات الأخرى باستعمالِ الحروف كاملة. وعليه، فالخطّ العربي خطوة اختزال كبرى وكاملة. والاختزال في رأي الجادرجي رقيٌّ في درجات التطوّر في الكتابة ونحن في زمنٍ يتمّيز بالسرعة وحاجة العالم الى الاختزال فيه كبيرة وضرورة ماسّة وكلّما يتقّدم الزمن والحضارة تصبح الحاجة الى الاختزال حاجة استراتيجيَّة وما يقوم به الأوروبيون اليوم من الاختزال يعدّ صناعة قائمة بذاتها ليس لها أيَّة علاقة بالأحرف اللاتينيَّة أو اليونانيَّة التي يستخدمونها ويقول: «إنَّ هذا الاختزال لا ينسج على منوال الكتابة العربيَّة مبدئياً، من حيث الاختصار والتقليل من أحرف العلّة جهد الإمكان والاستعانة عنها بالإشارات والنقاط بما يشبه الحركات في اللغة العربيَّة».
3 - ويعقب بالقول إنَّ «اللغة العربيَّة تتغيّر فيها الحركات في آخر الكلمة تغيرّاً جوهرياً بسبب العوامل المؤثرة وحسب معانيها في الجملة تبعاً للقواعد النحوّيَّة وقواعد الصرف في علمي النحو والصرف حسب ما ضبطه وأقرّه العلماء بطرائق مختلفة منذ صدر الإسلام، لكنَّه بقيَ معقدّاً كلّ التعقيد وكثير التأويل والتفسير صعب التعلّم بدون أيَّة محاولة لتيسيره حتى ندرَ من يتقنّه، فالمشكلة إذن هي شقّ طريقٍ جديدة للوصول الى ذلك التيسير، لا مشكلة تتعلّق بالحروف ذاتها».
وإزاء هذه المشكلة علينا أنْ نختارَ بين اثنين، أمّا المحافظة على العربيَّة الفصحى أو إفساح المجال أمام اللغات العاميَّة في كلّ بلدٍ عربي، وهي لغات متفرذعة من الفصحى الأم لتأخذ مجراها المستقل في القواعد والاشتقاق من دون التقيّد بقواعد العربيَّة الأصليَّة، وقد جرى أمثال ذلك في لغات كاللاتينيَّة التي انفصلت عنها الفرنسيَّة والإيطاليَّة والأسبانيَّة وغيرها.. ولكنَّ هذه نتيجة لها خطورتها الكبرى بالنسبة للعربيَّة إذ تفقد تراثها الأدبي والعلمي وهذا الأمر يضرّ الشعوب العربيَّة ضرراً بالغاً ويفقدها الرابطة ومن حسن الحظ أنّ الرأي العام العربي ضدّ ذلك. وعليه، فمن واجبنا القومي الحفاظ على العربيَّة الفصحى.
4 - فكيف يكون تيسييرها وما حدوده؟ لا بُدّ من إصلاحٍ في ضوابط اللغة وترك قواعد لا فائدة منها شريطة ألا تؤدي الى طمس معالم اللغة وتضارب المعاني. وقد تناول الجادرجي بحث بعض القواعد الصرفيَّة والنحويَّة مطالباً ذوي الاختصاص دراسة الموضوع وأعطى أمثلة عدّة في قاعدة الأعداد والمقاييس وضرورة عمل كان وأخواتها والامتناع عن الصرف وغيرها كثير من القواعد لتيسيرٍ كافٍ للجيل القادم وتسهيل مخارجها.
5 - ثم انتقل الى الرموز أو الحروف فقال بإنَّ حروفنا العربيَّة أصلح لهذه الغاية من غيرها، وإنّ أنصار الحروف اللاتينيَّة يثيرون مشكلة بجعلها بديلة وهي الحل بمحو الحركات فتنتهي عندهم مشكلة الإعراب.
وفي رأي الجادرجي أنّ المشكلة ستغدو أكثر تعقيداً وخصوصاً بشأن التشديد (استخدام الشدّة) وسيكبر مجال الخطأ في الكتابة إنْ استخدمت الرموز اللاتينيَّة؛ لأنَّ الكاتب إنْ أخطأ سيجرّ القارئ معه الى أخطاء، فحركات العربيَّة متغيرّة تتغيّر معها المعاني في الكلمات والعبارات كلها، فالعربيَّة المتحرّكة هي غير بقيَّة اللغات الثابتة وخصوصاً في الإملاء ورسم الكلمات والخطوط.
6 – «إنَّنا بحاجة الى تسهيل القواعد في النحو والصرف باتباع طرائق سهلة يقرّها العلماء في المجامع اللغويَّة، فنكون قد سهلّنا الطريق لتعلم هذه اللغة التي تعدّ بحق من أرقى لغات العالم وأكملها من دون أنْ نلجأ الى طرقٍ تقليديَّة بحتة تفصل بيننا وبين تراثنا القومي العظيم. إنَّنا مطالبون بالحفاظ على كلّ من الإرث اللغوي العظيم وأيضاً على السليقة العربيَّة ومنها خواص التذّوق والانسجام والإحساس بالجماليات وأيضاً فلسفة اللغة واشتقاقاتها وتدارك ذلك عند الجيل الجديد».
ويختتم الجادرجي مقالته المهمة بالقول: «فبالنظر الى ما تقدّم إني أخالف استعمال الحروف اللاتينيَّة كلّ المخالفة. أما إذا اتفق العالم كلّه من أقصاه الى أقصاه في يومٍ من الأيام على استعمال حروفٍ موحّدة، فحينئذ لا يسع الأمة العربيَّة إلّا قبول تلك الحروف العالميَّة» (كامل الجادرجي في 1 / 3 / 1944). (انظر: المجلة: مجلة أدبيَّة ثقافيَّة نصف شهريَّة، العدد الصادر في ختام السنة 4 بتاريخ 7 أيار 1944 بغداد: حيدرخانة مطبعة السريان).

رابعاً: ردُّ الأستاذ عبد العزيز فهمي على الجادرجي
استغرق هذا الردّ أكثرَ من عشرين صفحة من كراسته المذكورة التي نشرها في أغسطس/ آب 1944 أي بعد خمسة أشهر فقط، وقد أسهب كثيراً في ردّه المفصّل الذي جاء بأكثر من 24 نقطة معايناً الحجّة بالحجّة وبدا أنَّ فهمي باشا ضليعٌ في اللغة وله قدرته العالية في المطاولة وكان محترماً في ردّه، وقال بعد أنْ لخَّصَ نقدات الجادرجي وآراءه بشأن الموضوع، إذ ناقشه وحاوره بشكلٍ علمي رفيع المستوى. وبدا الرجل يردّ بشكلٍ دقيقٍ ومفصّلٍ كأفضل علماء النحو، ولم يترك شاردة أو واردة إلّا وحاوره فيها سواء في النحو أو الصرف أو النطق والتلفظ وهو يكبر في الجادرجي «إرادة الإصلاح ليس غير، وتتحقّق فيها الرجولة التي تدفعك الى إكبار الواضع»، ثم ناقشه في قضيتي الاختزال وتبسيط القواعد. ويرى فهمي في الأولى سبباً في دعوته استخدام الأحرف اللاتينيَّة لتسهيل رسم الكتابة بدليل إقرار الجادرجي بأنّ الاختزال لا يحمل وضع حروف الحركات ولا إشارات الحركات، ثم تقديم الفاعل على الفعل.. إلخ، مع مناقشته في جزئيات نحويَّة بحاجة الى الاستقصاء من قبل علماء لغة من المختصين. وإنْ بقيَت الحال على ما هي عليه، فالأجدى عند فهمي باشا استخدام الأحرف اللاتينيَّة. ويقرّ بأنه غير متفقٍ مع الجادرجي اتفاقاً واضحاً على الغرض والمبدأ فيطالبه الاتفاق على الهدف ومن ثمّ «يتكلّم كلانا بعد ما يشاء» علماً بأنّ الاثنين متفقان على إبقاء الفصحي ثم يسألهُ: ما هي تلك الفصحى؟ يستطرد فهمي بأنها لغة القرآن فقط الثابت نصّه بالتواتر من حيث جمال اتساقها وسهولة فهمها ويسر جريانها على الألسن وهي السهل الممتنع، ولكنْ من كثرة تكرارها أصبحت مألوفة عند الناس. ويسأله فهمي هل من خلاف في ذلك؟ لا يعتقد أبداً. ثم يلتفت فهمي باشا ليخالف صاحبه في رسم الكتابة في لغات أخرى قادت أهلها الى اختراع الاختزال (STENOGRAPHIE)، إذ إنَّ الرسم صورة حسّيَّة منظورة للألفاظ المنطوقة أو التراكيب اللغويَّة المعبّرة عن المعاني الجائلة بالخاطر، وهو بمثابة ترجمان في صمت وسكون وهو يتجه الى البصر لا الى السمع فما هو على لسانك هو غير الصورة في عينيك ويشرح له صورة اللغة كما هي صورة الإنسان، إذ خلقهُ الله بإبداعٍ لا بعينٍ واحدة ولا بأذنٍ واحدة ولا الأنف في القفا.. إلخ.
وعليه، فإنَّ فهمي باشا يجد البديل بالترجمان وأنَّ الترجمان الأبكم مستحيل الوجود ولا بُدَّ من ترجمان له حيويته “يظهر فيها النغمات والحركات تلازماً وتضامناً في مكنة الانبعاث فالنغمات لا تظهر بدون الحركات والحركات لا تظهر إلاّ متعمّدة على النغمات” ثم يسترسل في الدفاع عن مشروعهِ حتى يورد أمثلة وشواهد عدّة لإثبات الكتابة المقطعيَّة عن الألفاظ اللغويَّة وصولاً الى أحرف الهجاء واستفادة الأقوام والحضارات عبر التاريخ أحدها من الآخر وهي دلالة على تطوّر العقل الإنساني في رسم الكتابة وكم حدثَ من أخطاء قاد الى مشكلات مستعصية هذا الرسم القابل لكلّ تصحيف وجاء التنقيط ثم أعقبته الحركات.. ويختتم ردّه بقوله “أنت يا سيدي إذا استطعت أنْ تعدني متزيداً بما تبسّطت في الكلام على الصورة والترجمان، فإنَّك لا تستطيع أنْ تخرج من ربقة التاريخ ودلالة حوادثه. فإنَّي لست أنا الخالق للتاريخ.. ومن لا يعترف منّا بقوة هذا التيار جرفه وأقصاه، فأرجوك أنت وقومك أنْ تدّبروا ما أقول.. إنَّ الحروف اللاتينيَّة هي وحدها وسيلة النجاح. ولا زلت منتظراً من يدلني، بحق، على وجه خطأي في هذا النظر الغريب.
وبعد شروحات مطوّلة يضرب مثلاً كيف أنَّ صفافي الأحرف العربيَّة يرون النجوم في عزّ الظهر ولا يتخلص النصّ من الأخطاء أبداً ويقول: “لعلّ لكم في العراق رأياً يخرجنا جميعاً من هذا السوء”! ولعلّ أقسى عبارة في الرد تقول: “ولكن الذي لا أفهمه أنْ ترتأي تعميم الفصحى مع استبقاء الرسم الحالي الذي لا يتفّق إلا مع لهجة العوام”.

خامساً: وأخيراً، ماذا أقول؟
أجاد الاثنان وكلاهما من جيلٍ سابقٍ في كلّ من مصر والعراق في حوارهما، بالرغم من عدم نجاح مشروع فهمي باشا والمشروعات التي جاءت من قبله أو بعده كذاك الذي طرحه سلامه موسى في مصر أو أنيس فريحة وسعيد عقل في لبنان وغيرهم، كما ثبت لكلّ ذي عينين بأنّ الأستاذ الجادرجي لم يكن زعيماً لحزبٍ سياسي ليبرالي حسب، بل كان أديباً وناقداً ومثقفاً وله معرفة متمكّنة في اللغة العربيَّة لا كما هو حال السياسيين اليوم للأسف الشديد.
وأختتم بالقول: إنْ بقيت الأحرف الهجائيَّة العربيَّة سائدة وستبقى الى زمنٍ طويلٍ مع وجوب الاعتراف بأنّ العربيَّة قد ضعفت جداً على أيدي الأجيال الجديدة قراءة وكتابة بشكلٍ يدعو الى التأسّي والخجل.
* مؤرخ عراقي