أغنية من طقوس الوداع

ثقافة شعبية 2023/10/05
...

كاظم غيلان 



لكم قاس هذا الطرف من المعادلة الحتمية التي هي ملخص وجودنا ؟ بل وكم قاسية لحظة نزول صاعقة خبر وفاة عزيز لك؟

لم يكن جليل صبيح شاعرا عابرا ولم يكن بنفس الوقت صديقا عابرا.

في الاثنتين شكل حيزا مهما بحياتي، هذا المنبثق من صخب مدينة القهر وبراءة الأطفال وجماليات الشعر والغناء. 

موت جليل الدراماتيكي  يشبه إلى حد ما القائه الشعري الممسرح الذي امتاز به، لذا كان يخطو بسرعة نحو مسرح اسمه الموت. وقف على دكته، حيانا جميعا، أومأ مودعا ومن ثم جاء من يسدل الستار.

لكم أمقت تفاصيل رثاء موت شاعر وصديق كجليل، أحس بالرثاء انتقاصا من قيم الحب والعذاب واللهاث الذي اعتدت على مشاركتي اياه.

الذي اغاضني جدا هو (ثغيب) البعض من الأصدقاء، فحين كان ممددا على سريره وبينما كنت - مع نفسي - أمارس خلسة طقوس الوداع، كانت أغنية لـ (شادية)اسمها (كلي الوداع) ترتفع في روحي حتى سحبني الصديق الشاعر عباس عبد الحسن لداره المجاورة ليمنحني بصيص أمل من خلال فنجان قهوة.

عجيب هذا الجليل، يعقد صداقة متينة مع الجسور والنوارس، يرسل قطعا من الرغيف العراقي إلى النهر ليطعم الطيور وهي تخوض غمار حياتها.

شاعر، اخذت من سنوات شبابه حربا لايريدها فعرفته على (نهر جاسم)  الذي فتح شهيته لأبتلاع عشاق هرستهم الحرب.

هذا شاعر لاينسجم مع الرصاص لأنه نذر روحه للغناء، رياضي لايعشق السكون بحكم انتمائه للحركة، ولكن اي حركة؟

الشعر حركة دائمة في الروح، حاضرة محفزة في الوجدان.

يكتب عن (كميلة) ويتناغم مع صنوه الآخر(محمد الغريب)الذي يقابله في الضفة الأخرى وهو يكتب عن

(فيروز).

كتبت قبل سنوات عن مشتركات محمد وجليل، وها هي تعود لي بقوة فقد نهشهما ذات المرض.

لكم كان حدسي مصيبا يوم اقترحت على جليل محاورة محمد الغريب صحفيا أيام كنت محررا لصفحة (شعبيات) بجريدة ألوان الاسبوعية، كانت تلك حقبة التسعينيات المريرة.نشرت الحوار وكان جميلا ويحمل أكثر من دلالة.

في اللحظات الأولى لزيارته الوداعية وبقصد رفع معنوياته همست له : أريدك ترثيني رثاء يليق بي جلاوي.

وها أنا أكتب مايشبه الرثاء. 

كم كنت وفيا لجسر الجمهورية، للنهار العراقي، للصداقات النبيلة ياصديقي...فهل أوفيت معك ولو القليل الآن. ؟