خبراء: جرائم {غسيل الأموال} فاقمت مشكلة السكن

اقتصادية 2023/10/08
...

 بغداد: عماد الامارة

حدد مختصون في الشأن الاقتصادي، جملة عوامل تقف وراء استمرار ارتفاع أسعار العقارات في بغداد وبقية المحافظات، والتي وصفوها بـ”الجنونية” واضعين في مقدمة تلك الأسباب وجود كتلة نقدية ضخمة تتحرك دون ضوابط، أدت إلى اتساع الطلب على المساكن والأراضي، مؤكدين أن العامل الآخر يتمثل بالضغوط والمراقبة الشديدين لمنع تهريب الأموال الضخمة إلى الخارج مما دفع أصحابها لاستثمارها في شراء العقارات.

وتشهد أسعار العقارات منذ فترات طويلة، ارتفاعات متواصلة أثرت بشكل لافت في أصحاب الدخل المحدود الذين يواجهون صعوبات بالغة في شرائها، على الرغم من التوسع الحاصل في بناء المجمعات السكنية، التي شهدت أسعارها ايضاً ارتفاعات كبيرة، الأمر الذي دعا العديد من المراقبين إلى مطالبة الحكومة للدخول كمنافس في بناء الوحدات السكنية وبيعها للموظفين والمتقاعدين بأسعار مناسبة بهدف الحد من ارتفاع العقارات “المجنون».
وسط ذلك، انتقد خبراء اقتصاد، توقف المصارف الحكومية المختصة عن منح قروض البناء وشراء الوحدات السكنية، مؤكداً أنَّ ذلك الإجراء فاقم من احتياجات الشرائح المتوسطة والفقيرة، مشددين على ضرورة تخصيص أموال كافية تمنح للموظفين والمتقاعدين والعاملين في القطاع الخاص بقروض “صفرية” بهدف شراء أو بناء وحدات سكنية.
الباحث والأكاديمي الدكتور عبد الكريم العيساوي، أشار لـ”الصباح” إلى أنَّ “من أخطر المشاكل الاجتماعية التي تواجه العراق هي مشكلة التغيرات الديموغرافية والمتمثلة بانتقال العوائل من الريف إلى المدينة بعد انحسار قطاع الزراعة في استيعاب الأيدي العاملة من أبناء الريف التي خسرت فرص العمل في هذا القطاع نتيجة الانفتاح التجاري ودخول السلع الغذائية والزراعية من دول الجوار دون ضوابط، وجراء موجة الجفاف وتراجع إيرادات نهري دجلة والفرات».
ولفت العيساوي، إلى أنَّ “عملية التحول في السكن من الريف إلى المدينة أوجد منافسة على الوحدات السكنية المختلفة بعد زيادة الدخل النقدي للمواطن وتغير مرونات الطلب الدخلية وما ترتب عليها من زيادة الطلب على الوحدات السكنية، ونظراً لقلة نمو تلك الوحدات التي قابلها زيادة الطلب وارتفاع معدل النمو السكاني، فقد أدى ذلك إلى حصول ارتفاعات جنونية في أسعار العقارات، مؤكداً أن تلك الارتفاعات اسهمت بشكل مباشر في زيادة العشوائيات داخل وخارج المدن الرئيسة نتيجة عجز الفئات الهشة من شراء وحدة سكنية».
ويرى العيساوي، أنَّ “الحكومات المتعاقبة لم تستطع معالجة مشكلة الطلب المتزايد على الوحدات السكنية، غير أنَّ الحلول ممكنة في حال توفر السياسات السكانية الصحيحة، والتي من بينها إنشاء مدن جديدة بمواصفات مدروسة لاستيعاب الطلب على الوحدات السكنية، وتوسيع الاستثمارات المحلية والأجنبية في هذا المجال تحت شروط رقابية صارمة، داعياً في الوقت ذاته إلى مضاعفة دعم القطاع الزراعي في المناطق الريفية بهدف عكس الهجرة من المدينة إلى الريف.
من جانبه يقول المختص بالشأن الاقتصادي الدكتور عمرو هشام: إنه “على الرغم من زيادة المعروض من الوحدات السكنية سواء المبنية ضمن مجمعات سكنية نظامية أو التي تم تقطيعها بشكل عشوائي غير مدروس كجزء من تلبية الطلب المتصاعد أو من خلال قناة الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية بصورة غير قانونية، كل هذا لم يكبح جماح ارتفاع أسعار العقارات، وهذه قد تكون بسبب محدوديتها أو كونها غير مخدومة، مبيناً وجود جانب آخر أسهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار العقارات لاسيما في بغداد، ناجم عن ضخ كتلة نقدية ضخمة لشراء العقارات أدى إلى حصول
ارتفاعات غير مبررة.
كما يرى هشام، أنَّ “موضوع دعم القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة عن طريق مبادرة البنك المركزي أعطى زخماً للطلب مما أدى الى استمرار ازدهار سوق العقارات وعدم انخفاض الأسعار وفتح شهية المستثمرين للولوج الى هذا المجال” مشيراً في الوقت ذاته، إلى أنَّ “عوامل عديدة أخرى كان لها دور مباشر في استفحال وتضخم أسعار العقارات، بضمنها زيادة القدرة الشرائية الحقيقية للأفراد وغسيل الأموال، مؤكداً إمكانية أن يبدأ الزخم بالتباطؤ إذا تم كبح عوامل الطلب وتقنينها باتجاه إيجاد بدائل للطبقات الفقيرة والمتوسطة كي تتمكن من إيجاد سكن لائق».