الكلمة والفايروس

ثقافة شعبية 2023/10/12
...

كاظم غيلان

تُخْبِرُنا المرويات المتباينة في نقلها لأهميَّة الكلمة بمقولاتٍ شتى، منهم من أشار لنا بـ(قل كلمتك وأمض) وأحياناً (وامش) وكلاهما يؤديان لمعنى واحد، بينما الشاعر الفلسطيني معين بسيسو قال:
(أنت إنْ صمت مت
وإنْ نطقت مت
قلها ومت)
ولربما يجد بسيسو بأهمية الكلمة حيث تستحق الموت لأجلها!
الصديق الشاعر جليل حيدر بخلاف الجميع، إذ يرى من الأفضل أنْ تكون صيغتها: (قل كلمتك وقف) وفي الوقوفِ هذا عليك أنْ ترى ماذا ستسمع من ردود، إنه لأمرٌ معقولٌ جداً ولكنْ ممن ستستمع وكيفَ سترى سوى ما يدعوك أحياناً للصمت وليتك لم تنطق.
كلمتُكَ تصلُ لأوساطٍ ثقافيَّة وفنيَّة ابتلت باختراع الطارئين والطارئات، سترجمك حتماً كما فعلت الجاهليَّة لأنها وجدت في كلمتك ما يزعجها، ويفضحها، يعري غربتها عن جوهر الثقافة فكيف إذاً تسللت لهذه الأوساط؟
يُخْبِرُنا علم الفايروسات بأنَّها تبحثُ دائماً عن البيئة الملائمة التي تساعدها في قوة إصاباتها وانتشارها الذي يسارعُ البرقَ وليس هناك أسهل من هكذا أوساطٍ لاختراق هؤلاء (الفايروسات) التي تحدثك عن الرأي والرأي الآخر والديمقراطيَّة لكنَّها هي ولا غيرها من تسارعُ لقمعك إنْ كانت (كلمتك) قد أصابتها بصميم قلوبٍ أورمتها الأحقاد.
جلادون ثقافيون ومنافقون يتكيفون مع أي مناخٍ عدا ذلك المشبع برائحة الحقيقة.
مثقفون متصلبون بقناعاتهم الطائفيَّة والحزبيَّة، وهؤلاء يجهزون على كلمتك إنْ حملت مضموناً يخالفُ قناعة مرجعياتهم.
نصابون ومحتالون اكتشفوا انتماءهم للثقافة والفن من خلال ما تسمى بـ(المنتديات الثقافيَّة) التي لا يشغلها سوى (بدلات الاشتراك).
ممثلون فاشلون وجدوا في تغيير هيئاتهم المغايره للسائد كعلامة فارقة دالة على الانتماء للثقافة.
فهل ستمضي، أم تمشي، أم تقف، أم تموت؟
التراجع والاستسلام وحبس الكلمة يدفع بالفايروسات هذه للتناسل السريع الذي لا قوانين لتحديدها ويفتح لها أبواب المؤتمرات والمهرجانات التي يقف عند بواباتها سماسرةٌ أشداء.
فعليك بالكلمة التي هي سلاحك الوحيد في الردّ على هذه الفايروسات التي ستصيبك عدواها حتى لو ارتديت أكثر من كمامة وكمامة.
في شعر العامية تذكرت ما قاله الشاعر علي الشباني في ذات قصيدة:
(ليش المبتلي ابروحه اعله كلمة يموت؟)
إنَّه سؤالُ الحقيقة الأزلي.