{الحياة الشعبيَّة في ميسان.. ثقافةٌ وموروثٌ وطني}

ثقافة شعبية 2023/10/12
...

 نصير الشيخ
إنَّ جمع التراث الشعبي ودراسته ضرورة علميَّة ووطنيَّة تفرضها طبيعة حياة الشعوب التي أنتجت هذا التراث في ظل عوامل كثيرة؛ ذلك أنَّ التراث الشعبي جزءٌ من الحياة اليوميَّة للفرد، ويمثل الأصالة لفكر الشعب عبر حقبٍ زمنيَّة متلاحقة، وبناءً على ما تقدم تبرزُ أهمية الالتفات إلى جمع وتدوين وتحقيق هذا التراث وحفظه من الاندثار والتشويه والضياع، كما أنَّ بلدنا لم يكن بدعاً بمثل هذه الدراسات على وفق مناهج البحث العلمي في التراث الشعبي، بل ما زالت هذه الدراسات في بداية الطريق موازنة بما تحقق منها في بلدان أخرى، إلا أنَّها تسير بخطى ثابتة وحثيثة وكانت على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية للتوصل إلى طبيعة معرفة المجتمعات من حيث تطورها ومدى ثقافتها منذ نشوئها وحتى العصر الحديث.
ولا تخلو حياة مجتمع ميسان اليوميَّة من عادات موروثة أو سننٍ متبعة، وعلى نطاقٍ واسعٍ بين كل فئاته الدينيَّة والاجتماعيَّة، ولا أبعد عن الحقيقة إذا ما قلت إنَّ الحياة الشعبيَّة في ميسان زاخرة بكل مقومات الدراسات الفولكلوريَّة، بل إنها أغنى المجتمعات بتراثها الشعبي لتعدد أصنافها من ناحية، ولتفرد بيئتها الجغرافيَّة وتشعب مجالات العيش فيها من ناحية أخرى.
هذا من مقدمة كتاب (الحياة الشعبيَّة في ميسان) تأليف أ.م.د كريم علكم الكعبي، وهو دراسة اجتماعيَّة - فولكلوريَّة، رصد فيها المؤلف تفاصيل دقيقة من تاريخ الحياة المجتمعيَّة لميسان، وبما يشكل حلقة مهمة لرسم انطباعٍ صادقٍ عنه، ومن ثم ردّ المزاعم والتخرصات والشكوك والطعون المضادة له، وبيان أساليب عيشه المتصلة منذ العصور القديمة والإسلاميَّة وما تلاها حتى الحكم العثماني، والحكم الأوروبي.
والكتاب صدر عن دار الضياء للطباعة والتصميم/ النجف الأشرف 2010 وبواقع "344" صفحة من القطع الكبير، وقد اشتمل الكتاب على تمهيدٍ وخمسة فصول، إذ جاء في التمهيد تعريفٌ بالتراث الشعبي ثم موجزٌ لتاريخ ميسان، وضمَّ الفصل الأول، مباحث اجتماعيَّة تطرقت إلى طبيعة مجتمع ميسان تلك المدينة الجنوبيَّة، ومن ثم طبيعة مجتمع الأهوار، هذه المساحات الشاسعة من الماء والخضرة التي تكونت منذ مئات السنين يوم كانت المياه في الأزمنة الغابرة تغطي المنطقة الوسطى والجنوبيَّة من العراق، ثم تعقَّبَ المؤلف مزارات ميسان وأبرز أعلام الريف، ثم عرج على أسواقها ومكتباتها.
وضمَّ الفصل الثاني، تعريفاً للأدب الشعبي، ثم لهجة أهالي ميسان الشعبيَّة مع مدخلٍ موجزٍ لمفرداتها، والأمثال الشعبيَّة والأغاني بأنواعها ومراثي الحزن الجنوبيَّة.
بينما ضمَّ الفصل الثالث، العادات والتقاليد وهي في ما يتعلق بالحياة المعاشة لطبيعة الأسرة العراقيَّة وأبرزها عادات الولادة والختان وعادات الزواج والوفاة ودورة السنة الربيعيَّة ثم السنن العشائريَّة.
وجاء الفصل الرابع، ليبرز مأثورات أخرى للحياة المعاشة في هذه المنطقة الجنوبيَّة، وفي مقدمتها المعتقدات الشعبيَّة والأكلات الريفيَّة والطب الشعبي وسبل صيد الأسماك وسبل صيد الطيور.
ثم جاءت الصناعات الشعبيَّة متناً ضمَّها الفصل الخامس من الكتاب، متناولاً فيه صناعة الخشب وصناعة الصوف والقطن ثم صناعة القصب والبردي وصناعة الطين وصياغة الذهب والفضة مع صناعات آخرى زاولتها الناس بمختلف أصنافهم.
إنَّ كتاب "الحياة الشعبيَّة في ميسان"، هو سفر تاريخي انطولوجي تمثل في الكشف عن مفاصل مؤثرة من حياة الفرد العراقي وتحديداً في ميسان هذه البقعة التي رسمت أثرها الغائر في تاريخ بلاد وادي الرافدين، وصولاً إلى حياتنا المعاصرة التي طغى عليها طابع التحضر والمعاصرة، لكنَّ الفولكور الشعبي يبقى منظومة لمجمل القيم والعادات وصورة لطبيعة الوعي الجمعي الذي يكشف طبائع المجتمعات.