وليد خالد الزيدي
تعد البيئة التحدي الأكبر الذي واجه الإنسان منذ أقدم الأزمنة في كفاحه الحثيث لإيجاد أفضل السبل لحياته وأكثرها عطاء لاسيما البيئة الصحراوية ذات المناطق القاحلة التي تندر فيها المياه بشكل واضح ومع ذلك فالإنسان زرع الصحراء منذ آلاف السنين وإن كانت على نطاق ضيق لكن هناك أدلة كثيرة على ممارسة الزراعة فيها قديماً واستثمارها بشكل مناسب لتضيف لازدهار الحضارة عنصراً لتعزيز المكونات البيئية الأخرى والمناطق الأوفر نمواً والأسهل استخداماً وتلك المسألة لن تغيب عن بال المتصدّين للواقع الزراعي في مختلف البلدان لاسيما تلك التي تكسو مساحات أراضيها الرمال والصخور القاسية وبالرغم من صعوبة التكيَّف معها عمدوا إلى توسيع استثمارها ومغادرة نظرة التقاعس عن وضعها ضمن دوائر الخطط والأنشطة الاقتصادية المعاصرة.
ولا بأس من الإشارة إلى الإجراءات التي تكفّلت بها مديرية زراعة محافظة الديوانية بالاستفادة من بعض المناطق الصحراوية من خلال منح فرص استثمارية في قطاعي الثروة النباتية والحيوانية وعلى مساحة(26)ألف دونم في قضاء الشنّافية ضمن خطة وضعت لاستثمار تلك المناطق واستزراع مساحات واسعة تعتمد على استخدام التقنيات الزراعية ذات الكفاءة العالية في طرق الري الحديثة لتقنين استخدام المياه وتوفير مخزون للأمن الغذائي وليس هذا فقط بل السعي لتشغيل العمالة الوطنية في هذا المجال.
لم تكن تجارب العراق في استغلال الصحراء هي الوحيدة أو النادرة في العالم اليوم فهناك تجارب ناجحة كثيرة أرست لها العديد من دول العالم المتطورة ركائز قوية لتكون إحدى الروافد المهمة لتعزيز أنشطتها الاقتصادية وحينما نتحدث عن أبرز تلك التجارب نذكر ما جرى في أستراليا التي اعتبرت الزراعة عنصراً أساسياً في اقتصادها منذ فترة ليست قصيرة رغم أنها دولة قاحلة إلى حد كبير لكنها ذات مؤشرات انتاجية عالية لاسيما في الماشية والدواجن والحملان وانتاج الصوف وزراعة القمح والشعير وقصب السكر حتى أصبحت المزارع تشغل فيها (47 بالمئة) من المساحة الإجمالية لأراضيها وشكلت القيمة المُضافة لقطاعات الزراعة مُجتمعة عام(2019) نسبة متعاظمة من الناتج المحلي حيث صدرت أستراليا إلى الخارج ما نسبته(60 بالمئة) من منتجات الزراعة واعتبر الري الحديث مُمارسة رئيسية وواسعة الانتشار في بلد تعرف أجزاء كثيرة منه كميات قليلة من الأمطار وغدت الزراعة المنتشرة في أرجائها ثاني أقوى نشاطاتها بعد الصناعة فضلاً عن زيادة أعداد الأيدي العاملة المحلية لديها بعد أن تم تدريبها على استخدام الوسائل الحديثة لسقي المزروعات وتحلية المياه والري بالتنقيط لتوسيع العمل في المناطق ذات المناخ شبه الجاف.
لهذا ليس ضرباً من الخيال استثمار صحراء العراق وهي أوسع مظاهر سطح البلاد لكن يمكن استغلال بعض المساحات منها في الزراعة والتي تتوافر فيها كميات مناسبة من المياه أو القريبة من مناطق الواحات المنتشرة فيها لتعزيز الاقتصاد الوطني أسوة بالعديد من دول العالم التي تتشابه بيئاتها مع البيئة العراقية.