هل لدينا سياسةٌ عمرانيَّة واضحة في العراق؟

منصة 2023/10/16
...

 علي لفتة سعيد


تظهر البلدان تطوّرها من خلال الاهتمام بتقديم الخدمات ومن ضمنها ما يطلق عليه البنى التحتية والبنى الفوقية، وهو ما يعني تحت الأرض من مشاريع تتّصل بدائرةٍ خدميةٍ كاملة، وما فوق الأرض من مشاريع قد تشكّل منطقةً دون أخرى، وأوّل ملامحها هي العمارات والأبنية العالية التي بدأت الدول تتسابق في الوصول إلى ناطحات السحاب ليس بارتفاعاتها الشاهقة فحسب، بل حتى في شكلها البصري.

ولهذا فأن السياسة الخدمية لا بد أن تكون معها ومرافقها لها وملصقة بها سياسة جماليّة تتّصل بالعمران لهذه الدولة أو تلك لذا فهناكم اهتمام بالمظهر الخارجي للأبنية لتكون علامة من علامات التطوّر والاهتمام والخدمات والجذب السياحي. فأوّل ما يشاهده المسافر والسائح وحتى ابن البلد هو سياسة التنسيق الهندسي والتخطيط العمراني الذي يسعى إلى أن يكون بارزًا متميزًا ظاهرًا
جاذبا.
إن الدول تضع في الحسبان سياسة هندسيَّة تكون واضحةً أمام المهندسين المعماريين ليكونوا على بيّنةٍ ممّا يراد لها أو أن المهندسين المعماريين هم يستخلصون لوحدهم ما تريده الدولة، وتعرف سياستها البصرية، فتقوم بتنفيذ المشاريع العمرانيَّة على وفق هذه السياسة، كما فعلت مثل المهندسة العالمية الراحلة زها حديد التي كانت تضع نصب عينيها أثناء التصميم المعماري ما يميّز هذه الدولة أو تلك، وتضع من روحها وفنّها ما يميّزها ايضا ليكون الشكل النهائي للمبنى واضحًا بارزًا.
والسؤال الذي يتم طرحه: هل لدينا سياسةٌ عمرانيَّة واضحةٌ في العراق؟ إن الإجابة تقول أن التوسّع العمراني شهد تطوّرًا في السنوات الأخيرة من ارتفاعات في الأبنية وبناء الأبراج السكنية مثلًا وحتى الجسور والمجسّرات والفنادق التي أصبحت علامةً بارزةً، خاصة في المدن السياحية خارج العاصمة بغداد كما في كربلاء والنجف على سبيل المثال، حيث نجد مئات الفنادق التي تشكّل ظاهرةً عمرانيَّة واضحةً للعيان والتي تعطي انطباعًا جيدا، أن حركةً عمرانيَّة وسياحيةً تحاول اللحاق بالركب العمراني والسياسة السياحية رغم كل ما حصل ويحصل من تداعيات الأزمات السياسية والأمنية. ولكن السؤال الآخر الذي يبرز أيضا هل هذه الأبنية لها شكلٌ جاذب وسياحي ومهم، له مخطّطات معروفة مستنبطة من تاريخ العراق أو حتى تاريخ المدينة أو حتى شكل حداثوي تتوافر فيه هذه الأبنية؟ إن الإجابة تقول أن لا سياسة وضعتها الدولة أو الوزارات المعنية تحديدًا لتكون هناك هويةٌ عمرانيَّة تتّصل بالسياسة الخدمية للدولة. فلا معنى لكثرة العمارات سواء السكنية أو الفندقية دون أن تكون هناك هوية بصرية جاذبة.. وهو الأمر الذي يجعل من هذه الأبنية لا تشكّل سوى الكثرة في هذه المدينة أو تلك بل ربما تتحوّل كثرتها إلى حدثٍ عشوائي بصري، لا يعطي انطباعًا جماليًا إلا القلّة القليلة منها، وهو ما يؤثّر في رؤية السائح للتطوّر العمراني والتطوّر السياحي والنقد إلى سياسة الدولة العمرانيَّة على أنّها خالية من البعد
الجمالي.
إن أوّل ما يتلقّاه المسافر العراقي إلى دول الخارج هي تلك العلامات البصريَّة المدهشة في الشكل الخارجي للأبنية سواء شركات أو فنادق وحتى شقق سكنية.. كما في دبي الاماراتية مثلا التي جعلت سياسة الدولة هناك أن تكون العمارات غير متشابهةٍ لكنها تحمل الطراز العمراني الجاذب والجمالي، فيقوم المهندس المعماري بوضع شكلٍ خاصّ لكلّ عمارة، لا تكون ملاصقةً للعمارة المجاورة ولا تكون مشابهةً لها، ولا تكون روتينية على شكل مربّعات أو مستطيلات بناء تفقد معها رونق النظر، كما يحصل في الابنية الفندقية في محافظاتنا. رغم أنَّ الحركة العمرانيَّة لهكذا أبنية بدأت في العراق منذ السبعينيات وما بعدها، والجميع يعرف التصميم الرائع لفنادق بغداد كالمريديان وبابل وشيراتون وغيرها وحتى التي قبلها كفندق بغداد الذي ضاعت معالمه لقدمها ولضياع
 واجهته بين أبنية شارع السعدون.
إن السياسة المعمارية لا تختلف ولا تتأخّر على السياسة الخدمية للتطوّر الذي تنشده الدولة. وعليها ألا تفكر فقط بإنشاء أبنية ومجسّرات مثلا، لمجرّد الانتهاء منها وتكون في خدمة الناس، بل في وضع لمسات فنية على هذا المجسّر أو ذاك الفندق، وهذا الجسر وذاك المجمع. بل أن على الدولة أن تضع ضمن شروطها أن تكون أبنية القطاع الخاص التي تتكوّن على ارتفاعات أكثر من ثلاث طبقات مثلا لها أشكالٌ هندسةٌ ولا تكتفي بالتركيب التكعيبي وكأنها لعبة المكعّبات الخالية من دهشة الممارسة واللعبة البصرية الادهاشية. وأن تكون لها أي الشروط إلزامية التنفيذ، سواء كانت للمشاريع الحكومية أو القطاع الخاص، لتعطي رونقًا لحداثة المدينة..
فلنتخيل مثلا ماذا سيكون شكل مدينة كربلاء التي فيها أكثر من 700 فندق، لو كانت وفق الطرز الحديثة في الهندسة المعمارية؟ اعتقد إن كربلاء فيها من الفنادق ما يفوق حتى  مدينة دبي لكن العشوائية في التنفيذ وحتى العشوائية بالمساحات التي تنبني عليها هذه الفنادق التي في بعضها لا تتجاوز مساحتها الأرضية 50 مترًا مربعا، وهو ما يؤدّي إلى تشويه البصر واستفزازه أكثر من عملية الجذب.. وعليه لابد أن تكون ضمن السياسة المعمارية مقولة (كلّما كانت الهندسة الشكليَّة فائقة الجمال، كلّما كان الربح أكثر) سواء على صعيد المشاريع الحكومية أو القطاع الخاص.